الأضحية شعيرة من الشعائر وهي سنة نبينا -ﷺ- والأضحية عبادة توقيفية فيما يتعلق بصفتها وشروطها ولا مجال فيها للاجتهاد، وقد دلت على ذلك النصوص الصحيحة الثابتة عن رسول الله وانعقد عليه إجماع الأمة، ومن قال بغير ذلك فكلامه منكر من القول وزور .
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين -:
الأضحية شعيرة من شعائر الله وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل وسنة مؤكدة من سنن المصطفى ﷺ وهي عبادة توقيفية عن رسول الله ﷺ والمطلوب من المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يقتدي برسول الله ﷺ كما قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }سورة الحج الآية 32 .وقال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } سورة الأحزاب الآية 21 .
ما هي شروط الأضحية وهل هي إجهادية أم توقيفية:
الشروط التي شرطها الفقهاء في الأضحية ليست شروطاً اجتهادية وإنما وضعها الفقهاء بناءً على النصوص الشرعية فمن شروط الأضحية:
1 -أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم التي تجب فيها الزكاة.
2 -أن تبلغ سن التضحية.
3 -أن تكون سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية.
وذلك ضمن التفصيل الآتي.
الشرط الأول أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم:
لابد أن تكون الأضحية من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم كما هو قول جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة، قال الإمام الشافعي :[ هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } الأنعام الآية 143. وقال تعالى :{ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } الأنعام الآية 144 . يعني ذكراً وأنثى.
فاختص هذه الأزواج الثمانية. من النعم بثلاثة أحكام: أحدها: وجوب الزكاة فيها. والثاني: اختصاص الأضاحي بها. والثالث:إباحتها في الحرم والإحرام [ الحاوي 15/75-76].
وقال القرطبي: [والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ] تفسير القرطبي 15/109. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} سورة الحج الآية 34.
وقال القرطبي أيضاً :[ والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم ] تفسير القرطبي 11/44.ويدل على ذلك قوله تعالى{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }سورة المائدة الآية: 1.
حكم إخراج القيمة في الأضحية أو التصدق باللحم بدل الذبح:
ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي ﷺ وبناءً على هذا الشرط لا يصح قول من قال بجواز توزيع اللحوم كبديل عن الأضحية لمن لا يستطيع أن يضحي لضعف قدراته المادية تغليباً للنفع والفائدة للفقراء فهذا القول باطل مناقض للنصوص الشرعية فلا بد في الأضحية من إراقة الدم بذبح حيوان من الأنعام الأربعة وأما شراء اللحم وتوزيعه فلا يكون أضحية بحال من الأحوال حتى لو اشترى بقرة كاملة مذبوحة ووزعها على الفقراء فليست أضحية وإنما تعتبر صدقة من الصدقات.
وكذلك لا يجوز شرعاً إخراج قيمة الأضحية بدلاً من ذبحها والقول بجواز إخراج قيمة الأضحية تشريع جديد ومنكر من القول وزور قال الله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } سورة الشورى الآية 21.
وبناءً على ذلك كانت الأضحية أفضل من التصدق بثمنها كما هو مذهب جمهور أهل العلم بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي و أحمد وربيعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم انظر الاستذكار 15/157 ، تفسير القرطبي 15/107-108 ، المجموع 8/425 ، المغني 9/436 وروى عبد الرزاق بإسناده عن سعيد بن المسيب قال :[ لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم ] المصنف 4/388.
وقال الإمام النووي: [مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع ، للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية ، ولأنها مختلف في وجوبها ، بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر ] المجموع 8/425.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك، فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/304 .
وقال الشيخ ابن القيم: [الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى{فصل لربك وانحر} وقال تعالى{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} ففي كل ملة صلاة ونسك لا يقوم غيرها مقامها ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية] تحفة المودود ص65.
الشرط الثاني أن تبلغ سن التضحية:
يجب أن تبلغ الأضحية سن التضحية فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه.ودليل هذا الشرط حديث جابر رضي الله عنه أن الرسول ﷺ قال :( لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن ) رواه مسلم وغير ذلك من الأحاديث.
قال الإمام النووي: [قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال] شرح النووي على صحيح مسلم 5/101-102 . والثني من الضأن والمعز ما أتم سنة، والثني من البقر ما أتم سنتين، والثني من الإبل ما أتم خمس سنين والجذع من الضأن ما مضى عليه أكثر العام أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر ، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بُعد.
-قال الإمام الشافعي : [ الضحايا الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر ، ولا يكون شيء دون هذا ضحية ] الأم 2/223.
-وقال الإمام النووي: [وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ] المجموع 8/394.
وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك ما ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال النبي ﷺ: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة ، فقال إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه البخاري.
-وقال الإمام البخاري: باب قول النبي ﷺ لأبي بردة ( ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ثم ساق حديث البراء المتقدم برواية أخرى :( ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله ﷺ :شاتك شاة لحم . فقال: يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز . فقال النبي ﷺ : إذبحها ولا تصلح لغيرك ) وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص عقبة بن عامر والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ ابن حجر :( ولا رخصة فيها لأحد بعدك ) ( ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ( وليست فيها رخصة لأحد بعدك ) فتح الباري 12/109.
وهذا التخصيص من النبي ﷺ يدل على أنه لا تصح التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم إنه لا تجوز التضحية بما دون السنتين من البقر. وبناءً على ما تقدم لا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان ،ولا يصح النقص عنه.
-جاء في الفتاوى الهندية: [وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل] الفتاوى الهندية 5/297.
هل المقصود بالأضحية اللحم وتوزيعها صدقة أو هدية فقط:
وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط ، وتوزيعه صدقة أو هدية ، وإنما يقصد بالأضحية أيضاً تعظيم شعائر الله عز وجل ، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى.
-قال الله تعالى :{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32 .
-وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم ، اقتداءً بإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } سورة الحج الآية 37 .
ولو كان المقصود بالأضحية اللحم لما أمر النبي ﷺ أبا بردة لما ذبح قبل الوقت المقرر شرعاً أن يعيد الذبح لأن المقصود قد حصل. -فعن البراء رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله ﷺ يوم النحر بعد الصلاة فقال : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم . فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني .فقال رسول الله ﷺ : تلك شاة لحم . فقال : إن عندي عناقاً جذعةً وهي خيرٌ من شاتي لحم فهل تجزئ عني ؟ قال : نعم ، ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك) رواه البخاري ومسلم.
الأضحية بالعجول المسمنة التي لم تبلغ السنتين:
[ جرى فقه أئمة المسلمين على أنه لا يجزىء في الأضحية إلا الأنعام، وهى الإبل والبقر والغنم ، لقوله تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج 28.
وأقل ما يجزىء من هذه الأنواع في الأضحية الجذع من الضأن، والثنية من المعز وغيرها، لما روى جابر أن رسول الله ﷺ قال: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا إن تعسر عليكم ، فاذبحوا جذعة من الضأن) وروى عن علي رضي الله عنه قال : ( ولا يجوز في الضحايا إلا الثني من المعز والجذعة من الضأن ) وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( لا تضحوا بالجذع من المعز والإبل والبقر ).
والثني من البقر والمعز ما كان لها سنتان ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما كان لها خمس سنوات ودخلت في السادسة ، وقد جزم الثقات من أهل اللغة بأن الجذع من الضأن والماعز والظباء والبقر ما أتم عاماً كاملاً ودخل في الثاني من أعوامه فلا يزال جذعاً حتى يتم عامين ويدخل في الثالث فيكون ثنياً وتحديد سن الأضحية توقيفي بمعنى أنه ثابت بالسنة الصحيحة أن الجذع من الضأن كاف تجوز به الأضحية، أما من غيره فلا تجزيء وليست الحكمة في هذا – والله أعلم – كثرة اللحم مع تلك السن أو قلته مع هذه… لما كان ذلك : لم تجزيء الأضحية من البقر المسئول عنه مادام سنه منذ ولادته عشرة أشهر، ولابد لجوازه أضحية مشروعة أن يكون له عامان ودخل في الثالث على ما تقدم بيانه لأن الاعتبار لبلوغ سن التلقيح لا لكثرة اللحم ]
الشرط الثالث أن تكون سليمة من العيوب:
يجب أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: (أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي .
قال : – أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز – قلت : فإني أكره النقص في السن .
قال : – أي البراء – ما كرهتَ فدعه ، ولا تحرمه على أحد ) رواه أصحاب السنن .وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم .وصححه الشيخ الألباني إرواء الغليل 4/361.
من شروط صحة الأضحية:
أن تذبح في الوقت المقرر شرعاً بدايةً ونهايةً فمن ذبح قبل دخول الوقت فلا تعتبر ذبيحته أضحية.
-فعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :(إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء ) رواه البخاري ومسلم
-وعن البراء رضي الله عنه قال :( ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي ﷺ :أبدلها . قال : ليس عندي إلا جذعة – قال شعبة: وأحسبه قال هي خيرٌ من مسنَّة – قال : اجعلها مكانها ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك ) رواه البخاري ومسلم.