توعَّد الله آكلي الربا بالحرب في الدنيا وبالعذاب الأليم في الآخرة، ومن عقوبة المرابين في الدنيا مقت الناس لهم ومحق البركة منهم ، ومن عقوبتهم الأخروية أن الشيطان يتخبطهم من المس، قال تعالى في سورة البقرة :” الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس…
وجعل الله العقوبة لآكل الربا في الآخرة أنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتاً عند جميع أهل المحشر. قال البخاري : “(يتخبطه) يصرعه ويضربه على غير نظام واستواء، فهو لا يلبث أن يقف حتى يقع، ليكون ذلك علامة عليهم على رؤوس الخلائق.
ويقوي هذا التأويل أن في قراءة ابن مسعود التفسيرية “لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم” ذكر هذا القرطبي في تفسيره.
وقال ابن عطية الغرناطي الأندلسي في محرره :
وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الدنيا بقيام المجنون، لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته إما من فزع أو غيره: قد جن هذا!
ورجَّح القرطبي ما أيدته قراءة ابن مسعود؛ لأنه تضعف تأويل ابن عطية.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره:
لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل.. ويقال: إنهم يبعثون يوم القيامة قد انتفخت بطونهم كالحبالى، وكلما قاموا سقطوا والناس يمشون عليهم. وقال بعض العلماء: إنما ذلك شعار لهم يعرفون به يوم القيامة ثم العذاب من وراء ذلك، كما أن الغال يجيء بما غل يوم القيامة بشهرة يشهر بها ثم العذاب من وراء ذلك.
وقال الطبري رحمه الله في تفسيره:
قال جل ثناؤه للذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا، لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس؛ يعني بذلك: يتخبّله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يتخبطه فيصرعه من المس، يعني من الجنون. وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي:
“معناه ينتفخ بطنه يوم القيامة، بحيث لا تحمله قدماه، وكلما رام القيام يسقط فيكون بمنزلة الذي أصابه مس من الشيطان، فيصير كالمصروع الذي لا يقدر على أن يقوم”.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ” آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا ” ومن طريق ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه ” أنه كان يقرأ: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يوم القيامة.
وقد أبعد المعتزلة في تفسير هذه الآية، وخالفهم الصواب عندما ذهبوا إلى أن مس الشيطان من خرافات العرب وزعماتهم، وقد أثبت الزمخشري هذا القول الساقط في تفسيره فقال:
تخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والخبط الضرب على غير استواء كخبط العشواء فورد على ما كانوا يعتقدون، والمس الجنون ورجل ممسوس، وهذا أيضاً من زعماتهم” ورده الألوسي بقوله: “ولا يخفى أنه مصادمة لما عليه سلف الأمة