ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية قال: رَوى الآجُرِّي من حديث أبي ذَرٍّ قال: قلتُ: يا رسول الله فما كانت صُحُف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالاً كلها: أيُّها الملك المتسلِّط المبتلَى المغرور، إني لم أبعثْك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتُك لتردَّ عني دعوة المظلوم، فإنِّي لا أردُّها، ولو كانت مِن فَمِ كافر، وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يُناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسِب فيها نفسَه، يفكِّر فيها في صنع الله عَزَّ وجلَّ إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المَطعم والمَشرَب، وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظًا للسانه، ومَنْ عَدَّ كلامه من عمله قَلَّ كلامُه إلا فيما يَعنيه.
قال: قلتُ: يا رسول الله، فما كانت صُحُف موسى قال: كانَتْ عِبَرًا كلُّها: عَجِبْتُ لمَن أيقَن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصَب ـ أي يتعب ـ وعجِبت لمَن رأى الدنيا وتقلُّبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ وعجِبت لمَن أيقن بالحساب غدًا ثم هو لا يعمل.
قال: قلت: يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء ممَّا كان في يدي إبراهيم وموسى ممَّا أنزل الله عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذَرٍّ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤثِرونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا. والآخِرةُ خَيْرٌ وأَبْقَى. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى. صُحُفِ إبْراهيمَ ومُوسى) وقد روى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه.
وعن ابن عبّاس قال: لما نزلتْ: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إبْراهيمَ ومُوسَى) قال النبي ـ ﷺ ـ: كان كلُّ هذا أو كان هذا في صحف إبراهيم وموسى.
وعن ابن عباس قال: لما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) قال: كلها ـ أي السورة ـ في صحف إبراهيم وموسى.
واختار ابن جرير أن المراد بقوله: إن هذا.. إشارة إلى قوله: (قَدْ أَفْلَح مَنْ تَزَكَّى. وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤثِرونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا. والآخِرةُ خَيْرٌ وأبْقَى) قال ابن كثير: وهذا الذي اختاره حسَنٌ قَوِيّ.