مما يتعلق بموضوع الزينة صبغ الشيب في الرأس أو اللحية، فقد ورد أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يمتنعون عن صبغ الشيب وتغييره، ظنا منهم أن التجمّل والتزيّن ينافي التعبد والتدين، كما هو شأن الرهبان والمتزهدين المغالين في الدين، ولكن الرسول ﷺ نهى عن تقليد القوم، واتباع طريقتهم، لتكون للمسلمين دائما شخصيتهم المتميزة المستقلة في المظهر والمخبر. روى البخاري عن أبي هريرة انه ﷺ قال: “إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم”. وهذا الأمر للاستحباب كما يدل عليه فعل الصحابة، فقد صبغ بعضهم كأبي بكر وعمر، وترك بعضهم مثل علي وأبي بن كعب وأنس.
ولكن بأي شيء يكون الصبغ؟ أيكون بالسواد وغيره من الألوان، أم يجتنب السواد؟ أما الشيخ الكبير الذي عم الشيب رأسه ولحيته، فلا يليق به أن يصبغ بالسواد بعد أن بلغ من الكبر عتيا. ولهذا حين جاء أبو بكر الصديق بأبيه أبي قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله ﷺ ورأى رأسه كأنها الثغامة بياضا. قال: “غيروا هذا (أي الشيب) وجنبوه السواد”. والثغامة نبات شديد البياض زهره وثمره.
وأما من لم يكن في مثل حال أبي قحافة وسنه فلا إثم عليه إذا صبغ بالسواد، وفي هذا قال الزهري: “كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه جديدا، فلما نغض الوجه والأسنان تركناه”.
وقد رخص في الصبغ بالسواد طائفة من السلف منهم من الصحابة: سعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغيرهم.
ومن العلماء من لم يرخص فيه إلا في الجهاد، لإرهاب الأعداء، إذا رأوا جنود الإسلام كلهم في مظهر الشباب.
وفي الحديث الذي رواه أبو ذر: “إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم”. والكتم: نبات باليمن تخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة، أما صبغ الحناء فأحمر.
وروي من حديث أنس قال: “اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا”.