يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
إن هذا الذي يسمى ” المانوكير ” حائل دون وصول ماء الوضوء إلى البشرة، ولهذا لا يصح معه وضوء، وبالتالي لا تقام مع استمراره صلاة، والمرأة المسلمة التي تهرع إلى صلاتها كل يوم خمس مرات متطهرة متوضئة، لا يمكن أن تجد متسعًا لهذا اللون من الزينة، لأنه بطبيعته يتنافى مع إقامة هذه الفريضة اليومية المقدسة .
قد حدث في عصرنا بدعتان دخيلتان على مجتمعاتنا، مستوردتان من الغرب، رائجتان عند النساء غير الملتزمات.
الأولى: إطالة الأظفار لا سيما أظفار اليدين، على غير هدي سنة الفطرة. وبعضهن يطيل أظفر الخنصر خاصة. وكأن الإنسان هنا يتشبه بسباع البهائم، وجوارح الطير، فضلا عما يمكن أن يتراكم تحت هذه الأظفار من الأوساخ المضرة بالصحة، والتي حذر الأطباء من مغبتها.
والثانية: طلاء الأظفار بمادة حمراء أو بيضاء أو غيرها، تغطيها، وتصنع طبقة عليها، وهو ما يسمونه (المانيكير). تقليدا للنساء الغربيات.
والمطلوب من المسلمة: أن تكون لها ذاتيتها وشخصيتها المستقلة، ولا تذوب في غيرها، ولذا نهينا عن التشبه بغيرنا، وأمرنا بمخالفتهم.
على أن في هذا الصبغ آفة أخرى خطيرة، وهو: أنه يمنع صحة الوضوء. فلو كان هناك مادة من الشمع أو نحوها تغطي ظفرا واحدا لبطل الوضوء، فكيف بما يغطي عشرة أظفار؟!
وقد ذكر بعض الناس أن المرأة إذا وضعت هذا الصبغ على أظفارها، وهي متوضئة أجزأها أن تتوضأ بعد ذلك وهو في يديها، كما يجزئ المسح على الخف. وهذا كلام باطل، وشرع لم يأذن به الله، وهو مردود على من قاله. وفي الصحيح: ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ” أي مردود عليه.
ويقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ :
كان العرب قبل الإسلام يخْتَضِبُون بالحنَّاء والكَتَم، يُلوِّنون بهما الجلد والشَّعر والأظافر، وأقرَّه الإسلام بل نَدَب إليه النبي ـ ﷺ ـ أحيانًا، مع التحفظ في صبغ الشعر باللون الأسود رَوَى أبو داود بسند حسن أو صحيح أنَّ امرأة أتَتْ تبايع النبي ـ ﷺ ـ ولم تكُن مُختضَبة، فلم يُبايِعْها حتى اخْتَضَبَتْ، وله روايات متعدِّدة .
وجريًا على سنَّة التطوُّر وُجدت أنواع كثيرة من الزِّينة مع قواعد منظَّمة لها، ومنها الطِّلاء المعروف باسم “المانيكير” في أظافر الكفَّيْن، وباسم “البيديكير” في أظافر القدمين، وهو مادَّة لها جُرْم قد يكون رقيقًا وقد يكون كثيفًا، ولا يُزال بسهولة، فقد يُكشَط بآلة حادَّة، وقد يُذَاب ببعض الأحْماض .
وقد أجمع الفقهاء على وجوب إيصال الماء إلى جسم الإنسان مباشرة في الوُضوء والغُسل، إلا لضرورة كجُرْح يَضرُّه الماء. ومن هنا قالوا بتخليل الأصابع وتحريك الخواتم ليصل الماء إلى الجِلْد . ودليلُهم ما ورد في ذلك من الأحاديث التي من أقواها حديث لَقِيط بن صبْرة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوُضوء، فقال ” أسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا ” رواه الخمسة، وصححه الترمذي . وعن أبي رافع أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان إذا توضأ حرَّك خاتمه . رواه ابن ماجه والدارقطني، وسنده ضعيف .
يقول الشَّوكاني في كتابه (نيل الأوطار ” ج 1 ص 171 “) في باب تحريك الخاتَم وتخليل الأصابع : وأحاديث الباب يُقوِّى بعضها بعضًا فتَنْتَهِضْ للوجوب، لا سيما حديث لَقيط بن صبرة . . قال ابن سيَّد الناس : قال أصحابُنا : من سنن الوضوء تخليل أصابع الرِّجلين في غَََسْلهما . قال: وهذا إذا كان الماء يَصل إليها من غيْر تخليل، فلو كانت الأصابع مُلتفَّة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذ يجب التَّخْليل لا لذاته، لكنْ لأداء فرض الغُسل. اهـ ، ثم يقول: والأحاديث قد صرَّحت بوجوب التَّخْليل وثَبَتَتْ من قوله ـ ﷺ ـ وفِعْله، ولا فرْق بين إمكان وصول الماء بدون تخْليل وعدَمه، ولا بين أصابع اليدين والرِّجلين.
نَرى من هذا أنه لا بد من وصول الماء إلى كل ما يجب غَسْله . وقد جاء في كتاب ” الفقه على المذاهب الأربعة ص 43 ” أنَّ ممَّا اتَّفق عليه علماء المذاهب الأربعة في شروط صحة الوضوء، عدم الحائل المانع من وُصول الماء إلى البَشْرة، كشَمْع ودُهن وعَجين ونحوها، ومنه عُماص العين والأوساخ المتجمِّدة على العُضْو .
ولا شكَّ أن طِلاء الأظافر مادة لها جُرْمٌ كالشَّمع والعَجين فلا بدَّ من إزالتها ليصل الماء إلى ما كان مستورًا بها . وليس هناك وجْه معتبَر لقياس طِلاء الأظافر على الخاتَم عند المالكية، فقد جاء في الكتاب السابق ” ص 55 ” أنهم يقولون بعدم وجوب تحريك الخاتَم الضيِّق الذي يمنع وصول الماء إلى ما تحته إذا كان الخاتَم حلالًا، أما إذا كان حرامًا ضيِّقًا فيجب تحريكًُه عن موضعه . ومن هنا قال بعض المعاصرين : يُقاس طلاء الأظافر على الخاتم الضيق في أن كلا منهما حلال فلا تجب إزالته ليَصل الماء إلى ما تحته .
ومع عدم وضوح السر في التفريق عندهم بين الخاتَم الحلال والخاتم الحرام فإن هناك ملاحظتين هامتين، أولاهما أن المالكية أنفسهم قالوا : إذا نزع الخاتَم الضيِّق الحلال بعد تمام الوضوء أو الغُسل وجب غَسل ما تحته ” ص 55 ” من الكتاب نفسه والثانية، لماذا يُقاس طِلاء الأظافر على الخاتم، مع بعد الفرق بينهما ؟ ولا يُقاس على الدُّهن والشَّمع والعَجين مع تمام الشبه بينها؟ وإجماع الفقهاء على عدم صحة الوضوء والغُسل مع وجودها .
والخُلاصة : أنَّ الفقهاء الأربعة على عدم صحة الوضوء والغسل مع وجود طِلاء الأظَافر فلا بدَّ من إزالته، أما وضعه بعد ذلك فلا يمنع من صحة الصلاة .
ولا يصح، أن يُقاس الطِّلاء على الجَبِيرة فيُكْتفَي بالمَسْح علَيْه دُون ضَرُورة إزالته؛ ذلك لأنَّ الجَبِيرَة وُضِعَتْ لِعُذْر وهو تَضرُّر العُضْو من الماء، أما الأصابع فلا يُوجد عذْر يَحُول المَسح عليهما .
هذا، وإذا كانت هناك أظافر صناعية فلا بدَّ من نَزْعها لتُغسل الأظافر الأصلية . وأنبِّه إلى كرَاهة تطويل الأظافر وتشكيلها بحيث تتفق مع ” الموضة “، فإن من السنة التي يشترك فيها الرِّجال والنساء جميعًا قصُّ الأظافر، فهو من سنن الفطرة في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم . وقد جعلها أبو بكر بن العربي من الواجبات .
هذا هو حكم الطِّلاء في الطهارة والصلاة، أما الظهور به أمام الأجانب فهو من الزِّينة الظاهرة المُستثنَاة في قوله تعالى ( ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلًّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ( النور : 31 )، لكن يجب أن يُنظر إلى الباعث عليها فإنما الأعمال بالنيات، فلو كان الباعث هو لفت أنظار الرجال إليه انطبق عليه قوله تعالى في الآية نفْسها ( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )، وحديث المُسْتَعْطَرة التي مرَّت على القوم ليَجِدُوا رِيحها، وكذلك لو كان الباعث هو الغِشُّ والتَّدْلِيس لإخْفَاء العُيُوب، فالغشُّ حَرَام .