الشهود في عقد النكاح إما أن يكونوا ذكوراً فشهادتهم صحيحة بالاتفاق إن توافرت فيهم بقية الشروط، وإما أن يكن نساءً، فإن عقد النكاح بشهادة امرأتين فالعقد غير صحيح في مذهب الإمام أحمد، والشافعي، وظاهر مذهب أبي حنيفة، وقال به الإمام مالك، فقد سئل عن شهادة المرأة في القصاص فقال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن فيه على شهادة غيرهن في شيء من هذه الوجوه.

واستدلوا على هذا بما يأتي:

1 – قال الزهري: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق.

2 – ولأن النكاح عقد ليس بمال ولا يقصد منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال؛ فلم يثبت بشهادتهن كالحدود.

3 – قالوا: إن هذا القول مروي عن عدد من التابعين مثل: إبراهيم النخعي والحسن البصري وابن المسيب وقتادة وربيعة وعمر بن عبد العزيز.

أما إن كان النكاح بشهادة رجل وامرأتين، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: يصح عقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. وهذا هو مذهب الحنيفية، ورواية عن الإمام أحمد، فقد روي أنه قال: “إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون”. فأثبت ذلك القاضي وجماعة من أصحابه رواية. ومنع ذلك أبو حفص العكبري وقال: “قوله هو أهون يعني في اختلاف الناس”. وقال ابن قدامة في المغني: “ويحتمل أن أحمد إنما قال: هو أهون؛ لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية”. وقد ذكرها رواية في الكافي، والمقنع، ونص المرداوي في المسألة على الروايتين.

القول الثاني: لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين. وهو مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.

الأدلة: أدلة القول الأول:

1 – بما روى سعيد بن منصور بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجاز شهادة النساء مع الرجل في النكاح.

2 – وروي أيضاً عن الشعبي أنه كان يجيز شهادة النساء مع الرجل في النكاح والطلاق.

أدلة القول الثاني:

1 – قال الله تعالى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ” (الطلاق: من الآية2) قالوا: فلما أمر الله في الرجعة بشاهدين وهي أخف حالاً من عقد النكاح كان ذلك في النكاح أولى.

2 – استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وهذا إنما يطلق على الذكور دون الإناث.

3 – واستدلوا أيضاً بالآثار السابقة التي تدل على عدم صحة شهادة النساء في النكاح.

الترجيح: من خلال عرض القولين وأدلتهما يظهر أن مدار الخلاف يرجع إلى الاختلاف في شهادة النساء، هل هي حجة في الأموال وفيما يلحق بها بحكم أن المعاملة تكثر بين الناس، ويلحقهم الحرج بإشهاد رجلين في كل حادثة، فكانت حاجة ضرورية في هذا المعنى، ولا ضرورة في النكاح والطلاق وما ليس بمال فلا تكون حجة؛ لأن المعاملة فيها لا تكثر، ولأن المرأة لا تصلح أن تكون موجبة ولا قابلة للنكاح، فلا تصلح أن تكون شاهدة فيه.

والذي يظهر من هذين القولين هو: أن الأصل عدم جواز شهادة النساء في عقد النكاح، فإن شهدن أو احتيج لهن لعدم الرجل فتجوز شهادة المرأتين مع الرجل ويصح العقد، وذلك لعدة أمور:

1 – أن عدم قبول شهادة النساء في النكاح؛ لأنهن لسن ممن يوجب العقد أو يقبله، والشهادة ليس فيها إيجاب ولا قبول.

2 – أن القصد من الشهادة التوثيق والإثبات، وهذا متحقق بشهادة المرأتين مع الرجل، فنسيان المرأة مندفع بانضمام أخرى إليها.

3 – أن عقد النكاح إذا توافرت فيه الأركان وانتفت الموانع فإن شهادة المرأتين مع الرجل لا تكون سبباً لعدم انعقاده؛ لأن أصل الشهادة في النكاح مختلف فيها فضلاً عن شهادة المرأتين مع الرجل، لذلك كان من فقه الإمام أحمد – رحمه الله – أن قال: فإن كان معهن رجل فهو أهون.