عدد الرضعات المحرمة وكيفيتها:

لو أن مرأة شهدت أنها أرضعت بنت أقل من خمس مرات فلا يكون هذا كافيا في تحريم الزواج بينها وبين من أرضعته على المفتى به؛ لما رواه مسلم أن عائشة – رضي الله عنها قال : ” كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن” فأقل من خمس رضعات لا يثبت به تحريم.

ولا بد من التفصيل في هذه الشهادة ، فتذكر المرأة كيفية الرضعات ، فقد تكون المرأة ألقمت البنت ثديها لكنها لم ترضع ، وتبين عددها ، فلا يحرم أقل من خمس رضعات مشبعات ، والمعتمد في ضبط الرضعة هو العرف، إذ لا ضابط لها في اللغة ولا في الشرع،وما كان كذلك فضبطه يكون بالعرف، ومما عده الفقهاء رضعة عرفاً أن يلتقم الصبي الثدي ويمتصه ثم يتركه معرضاً عنه، وأنه لو كرر ذلك خمس مرات في مجلس واحد فقد تمت الرضاعة المحرِّمة، وليس المقصود بالشبع في كل رضعة الامتلاء.

وإذا شكت المرضعة فلا تذكر هل أرضعت أصلا أم لا ؟ أو تذكر أنها أرضعت لكن لا تذكر يقينا عدد الرضعات فلا يثبت بذلك تحريم، قال ابن قدامة في المغني: وإذا وقع الشك في وجود الرضاع أو في عدد الرضاع المحرم، هل كمل أو لا؟ لم يثبت التحريم، لأن الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك.انتهى.

شهادة أمرأة على الرضاع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

والتورع في هذه المسائل مطلوب ؛فقد روى البخاري وغيره أن عقبة بن الحارث – رضي الله عنه- تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي إني قد أرضعتكما وهي كاذبة فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه قلت إنها كاذبة قال كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما دعها عنك.

ولقد اتهم الصحابي الشاهدة بالكذب، فقال : ” إنها كاذبة” فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” وكيف بها” أي كيف يظن بها الكذب أو يجزم به، وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، وهو أمر ممكن، ولا يعلم ذلك عادة إلا من قبلها، فكيف تكذب فيه، وقال له ” دعها” لوقوع الشبهة في كونها أختا له من الرضاعة.

رأي الفقهاء في عدد الشهود الكافي للرضاع:

اتفق الفقهاء على أن شهادة رجلين فصاعدا على الرضاع يكفي في ثبوت الرضاع، ومن ثم تحريم الزواج بين من رضعا.

واختلفوا فيما لو قام بالشهادة أقل من رجلين، ويتصور ذلك في شهادة ( رجل واحد، أو امرأتين اثنتين، أو امرأة واحدة، أو امرأة مع رجل) فذهب الحنفية إلى أنه لا تقبل شهادة النساء وحدهن قللن أم كثرن في باب الرضاع، فلا تقبل شهادتهن إلا إذا كن امرأتين مع رجل، بينما ذهب الشافعي إلى جواز استقلال النساء في الشهادة بشرط أن يكن أربع نسوة لا أقل من ذلك، أما الإمام مالك فإنه لا يجيز شهادة المرأة الواحدة إلا إذا كان معها رجل، أو شهد على الرضاع امرأتان ولو وحدهما.

هل تكفي شهادة إمرأة واحدة على الرضاع:

لكن الذي دلت عليه السنة الصحيحة أن شهادة امرأة واحدة كافية كما مر في حديث عقبة.

وكما أن هذا كان قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو قضاء سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقد قال الزهري : فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان رضي الله عنه بشهادة امرأة في الرضاع . وقال الأوزاعي : فرق عثمان بين أربعة وبين نسائهم , بشهادة امرأة في الرضاع .

وكذلك كان القضاة من بعده يفعلون ؛ فقد قال الشعبي : “كانت القضاة يفرقون بين الرجل والمرأة , بشهادة امرأة واحدة في الرضاع” وهو مذهب (عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق والأوزاعي).

ورجح هذا المذهب شيخ الإسلام ابن تيمية بشرط أن تكون المرأة ثقة مأمونة ، ليس لها مصلحة في التفريق بين الرجل والمرأة، قال :-

“إن كان الشاهد ذا عدل قبل قوله في ذلك ; لكن في تحليفه نزاع، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه يحلف فإن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى يبيض ثدياها .” انتهى كلامه.

وإلى مثله ذهب العلامة الشوكاني ، قال:-

“فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أمة حصل الظن بقولها أو لم يحصل لما ثبت في رواية ” أن السائل قال : وأظنها كاذبة “انتهى.

وقال ابن دقيق العيد في شرح حديث عقبة أيضا في شرح عمدة الأحكام :-

من الناس من قال : إنه تقبل شهادة المرضعة وحدها في الرضاع , أخذا بظاهر هذا الحديث , ولا بد فيه مع ذلك أيضا – إذا أجريناه على ظاهره – من قبول شهادة الأمة , ومنهم من لم يقبل ذلك , وحمل هذا الحديث على الورع ويشعر به قوله عليه السلام ” كيف وقد قيل ؟ ” والورع في مثل هذا متأكد . انتهى.