يقول الله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (سورة إبراهيم : 7)  فكيف يكون شكر النعمة.

الشُّكر في تحديد معناه وفي الصلة بينه وبين الحمد كلام كثير ذَكَرَه المُفسرون، انظر مثلا تفسير القرطبي، كما ذَكَرَه عُلَمَاءُ الأخْلاق والتصوف مثل كتاب “إحياء علوم الدين”.

ونختار هنا ما صَححه القرطبي من قوله: الشُّكر ثناء على المَشْكُور بِما أَوْلَى من الإحسان ، والحمد ثناءٌ على الممدوح بصفاته من غير سَبْقِ إحسان .

وشكْر أي إنسان على نِعْمَةٍ أسْدَاهَا إليه الغَيْر مطلوبٌ لحديث رواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم “من أتى إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجدوا فادعُوا له حتى تَعْلَمُوا أَن قَدْ كَفَيْتموه”.

وشُكْر الله ـ سبحانه ـ واجب لكثرة نِعَمِه علَيْنَا كَمَا قَالَ سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا” (سورة إبراهيم : 34).

ومن ضِمْن شُكْر الله شُكْر الإنسان، فمن لم يشكُر الناس لم يشكُر الله ، كما في حديث الترمذي وأبي داود.

وأسلوب الشكر لله أو مظاهره تكون بالقوْل والعمل القائمين على الإيمان به ، عبَّر عنه بعضهم بقوله : استخدام نعم الله فيما خُلِقَتْ له وَعَدم تَعْطيلها أو استخدامها في معصية الله، وقد وَعَدَ الله الشاكرين بِحِفْظ النِّعمة بل بزيادتها، زيادة مادية بكثرتها أو معنوية بالبركة فيها .

كما نهى الله عن الكُفر أي عدم الاعتراف بالنعمة ، ومنه ما جاء في الحديث عن النِّساء من أنهن يكفُرن العشير ، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك سُوءًا تقول : ما رأيت منك خيرًا قط، والكُفر بنعمة الله إما كُفر به سبحانه وعدم الإيمان به، وإما عدم اعتراف بنعمه أو استخدامها في معصيته. والعقاب عليه شديد كما نصت عليه الآية.

وعلى قِمة الشاكرين لله الأنبياء والأولياء وعلى رأس هؤلاء جميعًا سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعند قول الله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور) (سورة سبأ : 13) ، ذكر القرطبي حديثا رواه مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم من الليل حتى تفْطر قدماه، أي تتشقق، فقلت له: أتصنع هذا وقد غَفَرَ الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: “أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا” ،

وَلا ننسى في هذا المقام قول سُليمان ـ عليه السلام ـ لما جاء له عرش بلقيس ملكة سبأ (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُر وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ كرِيمٌ) (سورة النمل : 40).

ومن الأحاديث التي تُحَذِّرُ من كُفْرَان النِّعمة ما رواه ابن أبي الدُّنيا والطبراني وغيرهما عن عائشة مرفوعًا : “مَا عَظُمَتْ نِعْمَةُ الله عز وجل عَلَى عَبْدٍ إِلَّا اشتدت إليه مَؤونة الناس. ومن لم يحمل تلك المؤونة للناس فقد عَرَّض تلك النِّعمة للزوال”.

وما رواه الطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعًا “ما من عبد أنعم الله عليه نعمةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْه ثُم جعل من حوائج الناس إليه فتبرَّم فقد عرَّض تلك النعمة للزوال” .

وما رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر مرفوعًا “إن لله أقوامًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوَّلها إلى غيرهم”،

ولو قيل بتحسين هذا الحديث لكان ممكنًا. وقد جاء هذا الحديث أيضًا بلفظ “إن لله خَلْقًا خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله، ويمكن الرجوع في هذه الأحاديث إلى “الترغيب والترهيب للحافظ المنذري وغيره من مراجع الحديث.