ذكر العلماء في هذا الحديث نكتًا جيدة،أهمها أن النبي ﷺ حكى واقع ما تخطب المرأة لأجله،من مالها ولحسبها ولجمالها ولدينها،ثم جعل الأصل هو الدين ،ولا مانع من الجمع بين الدين وغيره من مقومات الزواج ،على أن يكون الدين هو المقدم بين التعارض
يقول الإمام ابن حجر في فتح الباري :
قوله ﷺ: ( تنكح المرأة لأربع ) أي لأجل أربع .
وقوله ( لمالها ولحسبها )
أي شرفها ، والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب ، مأخوذ من الحساب ، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره .
وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة .
وقيل المال وهو مردود لذكر المال قبله وذكره معطوفًا عليه . وقد وقع في حديث مرسل عند سعيد بن منصور في سننه : ” على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها ” وذكر النسب على هذا تأكيد ، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إذا تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين ، وهكذا في كل الصفات .
وأما قول بعض الشافعية يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندًا إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة، وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه .
وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه ” أن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال ” فيحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له ، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له، ومنه حديث سمرة رفعه ” الحسب المال ، والكرم التقوى ” أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم ، وبهذا الحديث تمسك من اعتبر الكفاءة بالمال ، أو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعًا ، وضعة من كان مقلاً ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد ، فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال، لا على الثاني لكونه سيق في الإنكار على من يفعل ذلك . وقد أخرج مسلم الحديث من طريق عطاء عن جابر وليس فيه ذكر الحسب اقتصر على الدين والمال والجمال.
وقوله (وجمالها)
يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة ، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى ، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق .
قوله ( فاظفر بذات الدين )
في حديث جابر ” فعليك بذات الدين ” والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي ﷺ بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية .
وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه رفعه:” لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن – أي يهلكهن -، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل ” .
قوله ( تربت يداك )
أي لصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء ، لكن لا يراد به حقيقته ، وقيل :إن صدور ذلك من النبي ﷺ في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه ، وحكى ابن العربي أن معناه استغنت ، ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ، ووجه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب لأن جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده ، وقيل معناه ضعف عقلك ، وقيل :افتقرت من العلم ، وقيل :فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه ابن العربي ، وقيل معنى افتقرت حابت .
قال القرطبي : معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها ، فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولى ، قال ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها ، فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي .
وقال المهلب: في هذا الحديث دليل على أن للزوج الاستمتاع بمال الزوجة ، فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلا فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق . وتعقب بأن هذا التفصيل ليس في الحديث . ولم ينحصر قصد نكاح المرأة لأجل مالها في استمتاع الزوج ، بل قد يقصد تزويج ذات الغنى لما عساه يحصل له منها من ولد فيعود إليه ذلك المال بطريق الإرث إن وقع ، أو لكونها تستغني بمالها عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه نساء ونحو ذلك.
وأعجب منه استدلال بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على امرأته في مالها ، قال: لأنه إنما تزوج لأجل المال فليس لها تفويته عليه ، ولا يخفى وجه الرد عليه .