الرد على مثل هذه الشبه والأكاذيب سهل ميسور ويمكننا الرد عليهم عن طريق استعراض صفحة من حياة النبي ـ ﷺ ـ في النقاط التالية :ـ
ا- مرحلة ما قبل الزواج:
في بلاد حارة كبلاد العرب حيث نشأ ﷺ يبلغ الفتيان الحلم مبكرا وتكون عواطفهم فوارة وشهواتهم جامحة فيبادرون إلى الزواج المبكر ، أو ينحرفون وراء الشهوات المحرمة ينالون منها ما يطفئ ظمأهم . هكذا كان المجتمع حيث نشأ صلوات الله عليه . لكنه - وهو ما تتفق الروايات والاتجاهات كلها عليه - قد سلم من هذه الأوضاع ومكث حتى الخامسة والعشرين من عمره دون زواج ، ولم يعرف عنه أي انحراف ، وإنما - كما يعترف المستشرق موير - فإن جميع المراجع متفقة على أن النبي ﷺ في شبابه كان مطبوعا بالهدوء والدعة والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تغترف منها .
ب- مرحلة الزوجة الواحدة:
قبيل زواجه عمل في التجارة لخديجة بنت خويلد الأرملة الثرية ذات الحسب والشرف والتي كانت تكبره بخمسة عشر عاما , ولمست هي من خلال التعامل معه أمانته وعفته وطيب شمائله فبعثت إليه تعرض زواجها منه ، وتم هذا الزواج . وكان له منها الأولاد جميعا إلا إبراهيم الذي كان ابن مارية المصرية . وعاش معها حتى توفيت وكان هو قد جاوز الخمسين ، ولم يدر بخلده يوما أن يتزوج عليها في مجتمع كان التعدد فيه هو العرف والعادة ، وبقي ﷺ وفيا لذكراها يتحدث عنها دائما بالتقدير والمحبة مما كانت تغار منه بعض نسائه .
ج- والزوجة الواحدة أيضا حتى الرابعة والخمسين:
لما توفيت خديجة حزن عليها الرسول ﷺ - كما لم يحزن من قبل - حتى أشفق عليه أصحابه فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السيدة المسلمة زوج عبد الله بن مظعون تحثه على الزواج فقال لها أمن بعد خديجة ؟ قالت : عائشة بنت أبي بكر أحب الناس إليك . قال : ولكنها صغيرة قالت : الصغيرة تنضج . قال : ومن لبنات رسول الله حتى تنضج ؟ قالت سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو توفي عنها بعد ما عاد من الهجرة إلى الحبشة وتركها بين أهله المشركين فتزوجها الرسول ﷺ . ولما سمع الناس بأمر هذا الزواج أيقنوا أنه إنما ضمها رفقا بحالها وشفقة عليها وحفظا لإسلامها لأنها كانت مسنة غير ذات جمال ولا مطمع فيها للرجال ، وأبقى عليها زوجة واحدة مدة أربع سنوات حتى كبرت عائشة . وهذا دليل على أن التعدد الذي حدث بعد الرابعة والخمسين إلى الستين لم يكن للشهوة والملذات وإنما لأسباب إنسانية وسياسية حكيمة كما سنرى .
السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب استشهد زوجها خنيس بن حذافة السهمى في غزوة بدر وهي فى الثامنة عشرة فخاف أبوها عليها فعرضها على أبي بكر فلم يجبه ، فعرضها على عثمان وكانت زوجته رقية بنت الرسول قد ماتت فأعرض فذهب غاضبا إلى الرسول يشكو إعراض صاحبيه فقال الرسول مطيبا خاطره ، مداويا جرحه : يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة فتزوجها ﷺ . وما عرضه عمر من تزويج ابنته دليل واضح على حرص المجتمع على تزويج أرامل الشهداء جبرا لكسرهن وصونا لعفافهن وهو ما فعله الرسول في أكثر من حالة .
السيدة زينت بنت خزيمة الهلالية كانت أرملة عبيدة بن الحارث ابن عم الرسول الذى استشهد في غزوة بدر . السيدة أم سلمة هند بنت زاد الراكب أرملة عبد الله بن عبد الأسد ابن عمة الرسول الذى جرح في غزوة بدر واستشهد في أعقاب غزوة أحد : وقد خطبها أبو بكر وعمر فأبت فلما خطبها الرسول قالت معتذرة أن بها غيرة وأنها مسنة وذات عيال ، فقال الرسول : أما أنك مسنة فأنا أكبر منك ، وأما الغيرة فسيذهبها الله عنك وأما العيال فإلى الله ورسوله . وتم الزواج . وكونه لم يتقدم إليها إلا بعد رفضها لصاحبيه دليل على نفى حكاية الشهوة في هذا الزواج الذى كان المقصود منه حماية أرامل الشهداء ورعاية أولادهم حتى يستيقنوا عند خروجهم للجهاد كفالة المجتمع لذويهم بعد موتهم .
السيدة زينت بنت جحش وزواجها - كما تحدث القرآن - كان لحكمة تشريعية هي إبطال عادة التبني التى كانت سائدة في المجتمع .
السيدة ريحانة بنت عمرو القرظية كان من سبي يهود بنى قريظة ، وعرض عليها الرسول أن يعتقها ويتزوجها فآثرت أن تكون في ملك اليمين وكان دخولها بيت النبوة سببا في كسر حدة عداوة أهلها وتليين قلوبهم .
السيدة برة جويرية بنت الحارث سيدة بني المصطلق ، كانت وقعت في السهم لثابت بن قيس فكاتبها على نفسها مغاليا في القيمة فذهبت إلى الرسول تستعينه فقال لها : هل لك في خير من ذلك ؟ قالت وما هو ؟ قال أقضي عنك وأتزوجك ؟ قالت : نعم ، ولما ذاع الخبر حرر المسلمون مائة امرأة من قومها كن سبايا ، فلما علم قومها بذلك دخل كثير منهم في الإسلام واستحالوا بعد العداوة أصدقاء .
السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان ، كانت مع زوجها في الهجرة الأولى إلى الحبشة لكنه تنصر ففارقته فلما علم الرسول بعث إلى النجاشي فزوجها له وكيلا عن الرسول ودخل بها بعد العودة من الحبشة ، وواضح جانب السياسة في هذا الزواج .
السيدة صفية بنت حييي سيدة بني النضير وحفيدة نبي الله هارون وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت .
السيدة ميمونة بنت الحارث كانت أرملة وكانت شقيقة زوجة العباس عم الرسول وهما اللذان سعيا في زواجه منها فاستجاب تقديرا لفضلهما عليه وعلى الدعوة وقبل هذا صونا لعفاف هذه الأرملة التي كانت ما تزال فى ربيع العمر .
السيدة مارية القبطية هدية المقوقس عظيم القبط إلى الرسول أم إبراهيم التي آمنت فيما بعد وكان وجودها في بيت النبوة سببا في حصول المودة مع القبط في مصر ووصية الرسول المسلمين بأهلها .. وبجندها . هكذا كان زواجه بعد الرابعة والخمسين ذا دوافع إنسانية وسياسية ، ولو كان للشهوة مكان في ذلك لما رضي بالمسنات والأرامل ولكان له في غيرهن طريق آخر صلوات الله عليه وسلامه.