لا يجوز أن نأخذ الآخرين ونكيل لهم الاتهامات لمجرد الظن فقد نهانا الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) وفي الحديث قال رسول الله (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث….) رواه مسلم.

وقال تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه).

سوء الظن بالخادمة وكفارته

يقول فضيلة الدكتور محمد البهي -رحمه الله- عميد كلية أصول الدين الأسبق-:
إن الله -سبحانه- يطلب من المؤمنين أن يتجنبوا أنواعًا عديدة من الظن فلا يدعوها تتحكم في نفوسهم، فضلاً عن مجاراتها في التطبيق في السلوك واتخاذ المواقف، وذلك حتى تحسن العلاقة فيما بينهم، وذلك لأن بعضًا منها قد يدخل في حدود الإثم ونطاق المعصية إن ترتب عليه ضرر للغير، يقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
واتهام الخادمة مثلا بالسرقة هو نوع من الظن الذي يؤدي إلى الإساءة إليها في مستقبلها وسمعتها، فهو ظن ينطوي على إثم ومعصية قطعًا، وسبيل الله هنا هو تجنب الظنون في المستقبل في تحديد علاقة الإنسان بغيره.

والطريق أولاً إلى مغفرة هذه الخطيئة عند الله هو التوبة النصوح. وهي التي تنطوي على العزم والتصميم على عدم الرجوع إلى نفس الخطأ في مستقبل الحياة.
والطريق ثانيًا إلى محوها عند الله أيضًا وعند الناس -وعند الخادمة قبلهم- هو إعلان براءتها أمام من شهَّر بها في مواجهتهم إعلانًا صريحًا واضحًا، ثم طلب الصفح عنه منها وهم حضور.

إن الخادمة في موقفها مما اتهمت به تكون ضعيفة لا تستطيع رد هذه التهمة بغير الحلف بالله، كما لا تستطيع دفع الاعتداء عليها بالضرب أوالتعذيب، ولكن المستقدم لها يملك تحويل ضعفها إلى قوة، كما يملك تحويل عدم ثقة الناس بها إلى ثقة فيها، والثقة في النفس هي كل ما تملكه الخادمة في حياة العمل وحياتها الزوجية المقبلة، بل هي كل ما يملكه أي إنسان في حياته.

وقد وضع الرسول -عليه الصلاة والسلام- أصول المعاملة الإنسانية الكريمة بين الخادم ومخدومه فيما يروى عنه: “إخوانكم خولكم، أطعموهم مما تطعمون أنفسكم، وألبسوهم مما تلبسون، وإن كلفتموهم بأمر لا يستطيعونه فأعينوهم عليه”، أي خدامكم وعبيدكم هم إخوان لكم متساوون معكم في حقوق الحياة، وهم مع ذلك لهم نفوس إنسانية كرّمها الله فيما يقوله بوجه عام في قيمة الإنسان: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).

معاملة الخدم في الإسلام

-تعامل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع الخدم خير معاملة، فكان يقابل الإحسان بالإحسان والثناء، أما في حال الوقوع بالخطأ منهم فقد كان رسول الله - ليّناً رفيقاً معهم.

-صحّ عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: “ما ضربَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خادمًا لَه ولا امرأةً ولا ضربَ بيدِهِ شيئًا.

-يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- : (خدمتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء لم أفعلْهُ: ألا كنتَ فعلتَه؟ ولا لشيٍء فعلتُه: لِمَ فعلتَه).

-كان النبي يوصي أصحابه بالإحسان إلى الخدم، والعفو عنهم، وعدم الإساءة لأيٍّ منهم.

-ساوى رسول الله -- بين الخادم والأخ، فقال: (إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ).

وإن الله -عزّ وجل- قد يبتلي الإنسانٍ بما هو عليه، فجعل الخادم خادماً، والسيّد سيّداً، ومن الممكن أن تنعكس الأمور فيصبح الخادم سيّداً، والسيّد خادماً، فهو أمرٌ لا يملكه الإنسان.