صلاة الجنازة أربع تكبيرات فمن زاد أو نقص منها عمدا فقد بطلت صلاته، وإذا سها الإمام في صلاته فسلم من التكبيرة الثالثة فعلى المأمومين خلفه أن يسبحوا له ليأت بالتكبيرة الرابعة، فإن أتى بها فصلاته صحيحة، وليس عليه سجود سهو باتفاق أهل العلم، وعلى هذا فما فعله الإمام صحيح ولم تكن حاجة لإعادة الصلاة.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
اتفق جماهير أهل العلم على أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي ﷺ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربعاً ) رواه البخاري ومسلم .
وعن جابر رضي الله عنه (أن النبي ﷺ صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعاً ) رواه البخاري ومسلم .
وعن يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال :( خرجنا مع النبي ﷺ ذات يوم فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا : فلانة مولاة بني فلان قال : فعرفها وقال : ألا آذنتموني بها ؟ قالوا : ماتت ظهراً وكنت قائلاً صائماً فكرهنا أن نؤذيك قال : فلا تفعلوا لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعاً ) أخرجه النسائي ، وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم قاله الألباني في أحكام الجنائز ص 89 وغير ذلك من الأحاديث .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة ثم اتفقوا على أربع تكبيرات وما خالف ذلك شذوذ يشبه البدعة والحدث . حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا موسى بن معاوية عن وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال : جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة وجمعهم على أربع تكبيرات قال : وحدثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك الشيباني عن إبراهيم قال : اجتمع أصحاب محمد ﷺ في بيت أبي مسعود فأجمعوا على أن التكبير أربع ] فتح المالك 4/288 .
ثم قال الحافظ ابن عبد البر :[ وما جمع عمر عليه الناس أصح وأثبت مع صحة السنن فيه عن النبي ﷺ أنه كبر أربعاً وهو العمل المستفيض بالمدينة ومثل هذا يحتج فيه بالعمل لأنه قلَّ يوم أو جمعة إلا وفيه جنازة وعليه الجمهور وهم الحجة وبالله التوفيق ] المصدر السابق 4/290 .
إذا تقرر هذا فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجنازة أربع تكبيرات واتفقت المذاهب الأربعة على أن التكبيرات الأربع ركن من أركان صلاة الجنازة لا تصح الصلاة بدونها .
وبناء على ذلك فإن تركت تكبيرة من الأربع عمداً فقد بطلت الصلاة وأما إن سها الإمام فسلم بعد الثالثة فإنه يسبح له ليرجع فيكبر الرابعة فإن لم يرجع الإمام كبر المأمومون الرابعة وسلموا لأنفسهم.
قال الإمام البخاري :[ باب التكبير على الجنازة أربعاً وقال حميد صلى بنا أنس رضي الله عنه فكبر ثلاثاً ثم سلم فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم ] صحيح البخاري مع الفتح 3/257 .
وروى عبد الرزاق بسنده عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثاً ثم انصرف ناسياً فتكلم وكلم الناس فقالوا : يا أبا حمزة : إنك كبرت ثلاثاً قال : فصفوا ففعلوا فكبر الرابعة ] مصنف عبد الرزاق 3/486 .
ورد في الفتاوى الهندية نقلاً عن الفتاوى التتارخانية :[ ولو سلم الإمام بعد الثالثة ناسياً كبر الرابعة ويسلم ] الفتاوى الهندية 1/165 .
وقال الدسوقي المالكي: [إن الإمام إذا سلَّم عن أقل من أربع تكبيرات فإن مأمومه لا يتبعه بل إن كان نقص ساهياً سبح له فإن رجع وكمل سلموا معه وإن لم يرجع وتركهم كبروا لأنفسهم وصحت صلاتهم مطلقاً تنبه عن قرب وكمل صلاته أم لا وقيل إن لم يتنبه عن قرب فإن صلاتهم تبطل تبعاً لبطلان صلاة الإمام والأول هو المعتمد وإن كان نقص عمداً وهو يراه مذهباً لم يتبعوه وأتوا بتمام الأربع وصحت لهم وله وإن كان لا يراه مذهباً بطلت عليهم ولو أتوا برابعة تبعاً لبطلانها على الإمام وحينئذ فتعاد ما لم تدفن فإن دفنت صلي على القبر على ما قال المصنف … ] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/411 .
وينبغي أن يعلم أن أهل العلم قد اتفقوا على أنه لا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة ؛ لأن صلاة الجنازة لا ركوع ولا سجود فيها .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثاً ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال : قد كبر أنس ثلاثاً ناسياً فأعاد ولأنه خلاف ما نقل عن النبي ﷺ ولأن الصلاة الرباعية إذا نقص منها ركعة بطلت كذلك هاهنا فإن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت كما لو ترك ركعة عمداً وإن تركها سهواً احتمل أن يعيدها كما فعل أنس ويحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين] المغني 2/385 .
وخلاصة الأمر أن الإمام في صلاة الجنازة إذا سها فسلم قبل الرابعة فإنه ينبغي أن يعود ويأتي بما فاته من التكبير إن لم يطل الفصل فإن طال الفصل فتجب إعادة صلاة الجنازة لأن الأولى باطلة .