الأصل أن تبرع الإنسان بأي شيء لا يكون إجباريًا، إلا إذا دعت إليه الضرورة، فالتبرع بالدم للمحتاجين فرض كفائي، فإذا تقاعس الناس عنه، أو لم يتم التبرع بالقدر المطلوب جاز لولي الأمر أن يجبر الناس على التبرع بالدم، بشرط ألا يتحقق ضرر على المتبرع في الحال أو في المستقبل، وأن يكون هناك مساواة بين الناس في التبرع ،بالقدر الذي يكفل التساوي بين الأفراد المأخوذ منهم .
خلق الإنسان والحفاظ على النفس البشرية؟
يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق:
يَقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في مُحكم كتابه وهو أصدَقُ القائلِينَ: (ولقدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدمَ وحَملْناهمْ في البَرِّ والبحْرِ ورَزقْناهمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْناهمْ علَى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).
هذه الآية الكريمة تُوضِّحُ بما لا يَدَعُ مجالًا للشكِّ أن اللهَ كرَّم بني آدمَ وفضَّلهم على سائر خلْقه، ومِن أعظم مَظاهر التكريم وأبْرَزِها اختيارُ اللهِ للإنسان مِن بين خلْقه لِيَكونَ خليفتَه في كوْنِه، يُؤكد ذلك قوله تعالى: (وإذْ قالَ ربُّكَ للمَلائكةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفةً) (البقرة: 30) والمراد به الإنسان في كل زمانٍ ومكان مع اختلاف الأجناس والألْسنة والعقائد والألوان.
ولمَّا كان الإنسان هو المُستخلَف في هذا الوجود كان لا بدَّ مِن وَضْعِ منهجٍ له يَسيرُ عليه في حياتِه لتَحقيق خِلافَته الشرعيَّة عن الله في هذه الحياة، ولا يُتركُ لنفسه وهواه، فأحاطَه بسِياجِ العقل الذي ميَّزَهُ به عن سائر المَخلوقات، وعن طريقِه يَعرف الخيرَ مِن الشرِّ والنافعَ من الضارِّ، وأرسل إليه الرُّسُلَ بالشرائع السماوية التي تُنظم علاقة الإنسان بربِّه وعلاقتَه بنفسِه وببَني جنْسه.
وقد اختُتِمَتِ الشرائعُ والرسالات السماوية كلُّها بالدين الإسلاميِّ وشريعتِه الغرَّاء، الذي كمُلت به الشرائع والأديان الإلهية السابقة وارْتضاه اللهُ للناسِ مُكمِّلًا ومُتمِّمًا لمَا سبقَه مِن شرائعَ وأديانٍ، كما جاء في قوله تعالى: (اليومَ أكْملتُ لكمْ دِينَكمْ وأتْممْتُ عليكمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لكمُ الإسلامَ دِينًا) (المائدة: 3).
ولذا كانت نصوصُ وقواعدُ ومبادئ الشريعة الإسلامية كلِّياتٍ صالحةً للتطبيق العمليِّ في كل زمان ومكان، ولن يأتيَ بعدها دِينٌ ولا شرعٌ إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها لعدَم الحاجة إلى شريعةٍ أو دِينٍ جديد.
ونظرًا لأنَّ الإنسان مُستخلَفٌ مِن الله في عِمارة هذا الكوْن، فهو مُطالَبٌ بالمُحافظة على نفسه فلا يُعرِّضُها للهلاك أو الضرر مِن أيِّ نوعٍ كان، كما هو مُطالَبٌ بالمُحافظة على غيره فلا يَتسبَّبُ في هلاكِه أو وُقوع الضرَر به، يقول تعالى: (ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195) ويقول: (ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ) (النساء: 29) ويقول: (ومَن يَقْتُلْ مُؤمنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جهنمُ خالدًا فِيها وغَضِبَ اللهُ عليهِ ولَعَنَهُ وأعَدَّ لهُ عَذابًا عَظِيمًا) (النساء: 93).
وقد نهَى رسول الله ـ ﷺ ـ المسلم عن تَعريض نفسِه للخطر أو الهلاك، فقال ﷺ: “مَن تردَّى مِن جبَلٍ فقتَلَ نفسَه فهُو في نارِ جهنمَ يَتردَّى فيهَا خالِدًا مُخلَّدًا فِيها أبدًا” (رواه البخاريُّ ومسلم).
كما نهى المسلم أيضًا مِن تعريض حياة أخيه المسلم للهلاك، فقال ﷺ: “المسلمُ أخو المسلمِ لا يَخذلُه ولا يَظلِمُه ولا يُسلمُه” (رواه الترمذيُّ).
بل إن إحياء النفوس المَعصومة من المسلمين وغير المسلمين من أجلِّ القُرُبات وأعظمِها عند الله ـ تبارك وتعالى ـ لقوله: (ومَن أحْيَاهَا فكأنَّمَا أحيَا الناسَ جميعًا) (المائدة: 32).
وإحياء النفس إنما يكون بإنْقاذها مِن أسباب الهلاك المُحقَّق وإيثارها على الذات، ولذلك فقد راعَى الإسلام ضرورةَ المُحافَظة على الكليَّاتِ الخمْس وهي “الدِّينُ والنفْسُ والعقْلُ والنسْلُ والمالُ” والأربعة الأولى من داخل الإنسان والخامِسة مِن خارجه.
ولا تَستقيم هذه الأمور إذا انحرفَ الإنسان عن منهج الله الذي ارْتضاهُ له وأوجبَه عليه، فما أوجبَه اللهُ على الإنسان يكونُ وُجوبًا عيْنِيًّا، كالصلاةِ وبِرِّ الوَالدَينِ، ممَّا يَطلبُ الشارعُ مِن المُكلَّفِ فعْلَه مِن كلِّ فرد مِن أفراد المُكلَّفِينَ على سبيل الحتْمِ والتَّعْيِينِ، ولا يُجزئ قيامُ مُكلَّف به عن آخر. أو يكون وُجوبًا كِفائيًّا ممَّا يَطلب الشارعُ فعْلَه مِن مَجموع المُكلَّفِينَ وليس من كل فرد منهم، كالأمر بالمَعروف والنهْي عن المُنكر وصلاة الجنازة وإنْقاذ الغريق والحريق إنْ لم يَتعيَّن بالتعْيِين وغير ذلك.
وعلى ذلك فالواجباتُ الكفائيَّة المُطالَب بها مَجموعُ أفراد الأمة إذا أدَّاها البعضُ سقَط الإثْمُ عن الباقِينَ، وإذا أهمَلها الجميعُ أثِمُوا جميعًا، أثِمَ القادرُ لإهمالِهِ واجبًا قَدَرَ على أدائه، وأثِمَ غيرُه لإهمالِه حَثَّ القادر وحَمْلَه على فِعْلِ الواجب المَقدور عليه.
وإذا تعيَّن فردٌ لأداء الواجب الكفائيِّ كان واجبًا عينيًّا عليه بالتعيِين؛ لأن القاعدة الشرعيةَ “أن الواجب الكفائيَّ يَتعيَّنُ بالتعيين دِيانةً وحُكمًا ممَّن له الولاية الشرعيةُ والسلطة في ذلك”. ومِن الأمثلة التطبيقيَّة على ذلك ما إذا شهِدَ شخصٌ يُحسِنُ السباحة غَريقًا يُشرفُ على الهلاك، وكان في إمكانه إنقاذُهُ، ولم يُوجَد غيرُه يُمكنه إنقاذُه، تَعيَّنَ عليه إنقاذُه ويُؤمَرُ بإنقاذِه، وأصبح الواجب الكفائيُّ بالنسبة له واجبًا عَيْنِيًّا يُوجِبُ المُساءلةَ إذا ترَكه يَغرق ولم يُنقذه.
حكم الإجبار على التبرع بالدم عند الضرورة؟
عكَفتْ دار الإفتاء المصرية على دراسة موضوع “الإجْبار على التبرُّع بالدمِ عند الضرورة إليه” مِن كل جوانِبه وتَبيَّن لها:
أولًا:
الأصْلُ أن اللهَ خلَق الإنسانَ حُرًّا في اختيار ما يُناسب ظُروف حياته الشخصية من مَأْكل وملْبسٍ وعقيدة وغير ذلك.وأوجبَ عليه المُحافظةَ على نفسِه وعلى غيره ومنَعه من التدخُّل في حياة الناس، كما منَع غيرَه من التدخُّل في حياته، إلا بالقدْر الذي يُنظم العلاقات الإنسانيَّة، فلا إكراهَ على فعْلٍ مِن الأفعال لقوله تعالى: (لا إكراهَ فِي الدِّينِ قد تَبيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ) (البقرة: 256). كما حذَّر الله سبحانه رسوله ـ ﷺ ـ مِن إكراهِ الناس وإجْبارِهم على الدُّخول في الإسلام فقال تعالى: (ولو شاءَ ربُّكَ لآمَنَ مَن في الأرضِ كلُّهمْ جَميعًا أفأنتَ تُكْرِهُ الناسَ حتَّى يَكُونوا مُؤمِنِينَ) (يونس: 99).
وقد كَفَلَ الإسلامُ الحرية الشخصية للإنسان ولم يَضعْ عليها قُيودًا ولا حُدودًا إلا في نِطاق “لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ” بمعنى أن الإنسان حُرٌّ في تَصرُّفاتِه شريطةَ ألا يَضرَّ بنَفسه ولا بالآخرِينَ.
ثانيًا:
ومع أن الإسلام منَح الفرد الحريةَ الشخصيَّة فقد اعتبره لبِنَةً في بناء المجتمع يُقوِّي بُنْيانَه ويَقوَى به، لحديثِ النبيِّ ﷺ: “المسلمُ للمسلمِ كالبُنيانِ يَشدُّ بعضُه بعضًا”.
والمراد بالمسلم هنا ما يَشمل غيرَ المسلم، فمَن سلِمَ المسلمون مِن لِسانِهِ ويدِهِ كانوا معًا كالبناء الواحد يَشُدُّ بعضُه بعضًا، وجعَلَ له حُقوقًا على المجتمع وللمجتمع عليه حُقوقٌ وواجبات؛ لأن كُلًّا منهما يُكمل ويُتمِّمُ الآخر ولا غِنَى لأحدِهما عن الآخر، فمِن حقِّ الفرد على المُجتمع أن يَعيش آمنًا مُطمئنًّا على نفسِه ومالِه وأولادِه عِيشةً حُرَّةً كريمةً، ومِن حقِّ المُجتمع على الفرد إلْزامُه بالتعاون مع الآخرين للدفاع عن الوطن والرُّقِيِّ بالمجتمع والنهوض به والعمل من أجل المصلحة العامَّة بما يُحقق خِلافتَه عن الله في أرْضه مُؤْثِرًا غيرَه على نفسِه ومُنكرًا ذاتَه مِن أجل الجميع مُنفِّذًا لقولِه تعالى: (ويُؤْثِرونَ علَى أنفسهمْ ولو كانَ بهمْ خَصاصةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نفسِهِ فأُولئكَ همُ المُفلحونَ) (الحشر: 9).
ثالثًا:
أن التبرُّع بالدم يُعدُّ أمرًا حَيويًّا وضَروريًّا لا يُمكن الاستغناء عنه في حياة الناس، وهو نَسيجٌ مِن أهم أنسجة الجسم يَتجدَّد دائمًا ومُستمر التجدُّد، ممَّا يُعتبَرُ نِعمةً مِن نِعَمِ الله على عباده كالماء والهواء؛ لأن في تَجدُّده واستمراره استبقاءً للحياة.
ومعلوم أن الدم لا يُمكنُ استحضارُه صناعيًّا لتَكوُّنِهِ من خلايَا حيَّةٍ لا يَزال العلْمُ عاجزًا عن صُنْعِها، ومِن لُطفِ الله أن الجسم يَستطيع في ساعاتٍ قليلةٍ تَعويضَ النقْص مِن خلال نَشاط خلايَا النُّخاع في إعادة تكوينه ودفْعه إلى باقي أجزاء الجسم إذا كانت الكمية المَنقوصة منه في الجسم قليلة.
أما إذا كان النقص شديدًا فلا بدَّ مِن تَعويضه بكِمية من الدم من خارج الجسم تَتوافَقُ عناصرُها مع عناصر الجسم الذي يَحتاج إلى تعويض الناقص منه حتى تَستمرَّ دورةُ الحياة للإنسان، ومِن هنا كانت الحاجة ماسَّةً إلى وُجوب التبرُّع بالدم لمُواجهة ما قد تَفرضه ضروراتُ الحياة مِن حوادثَ وكوارثَ وعملياتٍ جراحيةٍ وغير ذلك. ولقد قُدِّرتِ الحاجة في مصر لكميات الدم المَطلوب كل عام إلى حوالِي مليونٍ ونِصفِ وَحدةٍ دم، وقد تَرتفع الحاجة إلى مِليونَيْ وَحدةٍ سنويًّا لتغطية باقي الاحتياجات، بناء على ما تُقدره التقارير الطبية وأهل الخبرة والاختصاص العُدول، والتي أصبحت مَعلومة للكافَّة مِن غير نَكيرٍ منهم.
ولو تُرك الناس وشأنَهم للتبرُّع طواعيةً دون إلْزام مِن وَلِيِّ الأمرِ لظلَّ الحالُ على ما هو عليه مِن نقْصٍ شديدٍ في المَعروض مِن هذا النسيج الحيويِّ، وأدَّى ذلك إلى هلاكِ الكثيرينَ بسبب إحجامِ القادرينَ على العَطاء تبرُّعًا وإلى خلْقِ سوقٍ سوداءَ لتِجارة الدماء.
رابعًا: في ظل الظروف الاجتماعية الراهنة فإن التبرُّع المُطلَق وترْكه لرَغبة الناس لا يُحقِّق إحياءَ النفْسِ ولا إنقاذَها عند تَعرُّضها للهلاك المُحقَّق أو الخطَر الداهم وحاجتها الفوريَّة الماسَّة إلى إيجاد وَسيلةِ إنقاذٍ لا تَتمُّ إلا بالأمر والإلْزام، فإنه يجب دِيانةً وشرعًا تقديمُ هذه الوسيلةَ جَبْرًا عند الامْتناعِ عن تَقديمِها طواعيةً حسبما يَقتضيه المقام، وفي مثل هذه الأحوال يَتحوَّلُ الواجبُ الكفائيُّ إلى واجبٍ عَيْنيٍّ على الجميع فيما بينهم، يتمُّ بطَريق الإلْزامِ إذا لم يَتحقَّقْ أداؤُه اختيارًا بطَريقِ الالْتزامِ الشرعيِّ دِيانةً. ويُلزم الجميع به إعمالًا للقاعدةِ الشرعيَّة: “الضرر الأشدُّ يُزالُ بالضرَرِ الأخفِّ”. “وما لا يَتمُّ الواجب إلا به فهو واجبٌ”.
وهنا يَتعيَّنُ على كل قادر إعطاءُ جزءٍ مِن دمَه لإخوانه على سبيلِ التعْيِين والإلْزام حِفاظًا على نفسِه ورُوحه؛ لأن نفسَه داخلةٌ في نفوس الجماعة، لذلك جاء قوله تعالى: (ولا تُلْقُوا بأَيْدِيكمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) بصيغةِ الجمْع، وقوله تعالى: (ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكمْ إنّ اللهَ كانَ بكمْ رَحِيمًا) (النساء: 29).
وكما يَتعيَّنُ على الإنسان واجبُ الدفاع عن الوطن وُجوبًا عَيْنِيًّا عندما يَنفِرُ النَّفير للجهاد، ولا يُمكن لأحد أن يَتخلَّفَ عن الدفاع عن الوطن والدِّين والعِرْض، وصار مِن حقِّ ولِيِّ الأمْر إلْزامُ أفرادِ المجتمع بالانْخراط في سِلْكِ الجنديَّة المُسمَّى حاليًّا بالتَجنيد الإجباريِّ الذي هو بَديلُ الجهادِ، فقِياسًا على ذلك يُلزم الناس بالتبرُّع بالدم لإنْقاذ المجتمع من كارثةٍ قد تحلُّ به أو ببَعض أفراده، وهي نقْص الدم للمُحتاجِينَ إليه إذا لم يُؤدَّ طواعيةً، وقِياسًا على وُجوب إنقاذ الغرقَى والحرْقَى والهدْمَى من أفراد المجتمع.
والذي تَجدر الإشارة إليه أن إعْطاءَ الدم فيه فائدةٌ تَعود على مَن يَتبرَّع بدَمِه حيث تَنشط الخلايَا الخاصَّة بإعادة كُرات الدم وتَجديدِها.
وقد عرف الإسلام هذه الفائدة منذ أكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا من الزمان، فقد جاء في الأثَر أن رسول الله ـ ﷺ ـ دعا إلى العِلاج بالفَصْدِ والحِجامَة لمَا فيها مِن فائدةٍ فقال: “الحَجْمُ أنفعُ ما تَداوَى به الناسُ” (رواه البخاريُّ) وذلك في زمانهم. وقال ﷺ: “إنْ كانَ في شيءٍ مِن أدْوِيَتِكُمْ خيرٌ ففي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ” (رواه البخاريُّ).
ولعلَّ ما أشارت به السُّنة النبويَّة المُطهَّرة في مسألة إخراج الدم الزائد عن الجسم بطريق الفصْد أو الحِجامة، الذي هو سببٌ لشفاء النفس وعلاجٌ لها مِن مرضٍ يُلِمُّ بها، ما يُؤكدُ ما وَصَلَ إليه العلْمُ الحديث وأهل الخبرة من العلماء والأطباء من أن تخفيضَ الدم لدَى الإنسان له أثَرٌ مُفيدٌ ونافعٌ للجسم وبخاصَّةٍ عند ارتفاع ضغْط الدم الذي قد يُهدِّد حياةَ الإنسان إذا زادَ عن حدِّه.
هذا، ودارُ الإفتاء المصرية بناء على ما سبَق، واعتمادًا على نُصوص القرآن الكريم والسُّنة النبويَّة المُطهَّرة، وإعمالًا للقواعد الشرعية والفقهية العامَّة والخاصَّة المُنَوَّهِ عنها سلَفًا، وتَطبيقًا للقياس على الأشباه والنظائر، ومُراعاةً لظروفِ الحالِ مِن فُتور الناس وتَباطُئِهم عن القيام بأداء الواجب الشرعيِّ عليهم طواعيةً واختيارًا، وحاجةِ المجتمع الملِحَّةِ والشديدة إلى وُجود كميات من الدم اللازمَة لإنْقاذ حياة المُضطرِّينَ إليه، وما وَرَدَ بالتقارير الطبية الصادرة عن أهل الاختصاص والخبرة ممَّن يُطمئنُّ إلى قولِهم، وما يُقرِّرُهُ المَسؤولونَ عن هذا العمل من وُجودِ نقْصٍ حادٍّ في كميات الدماء التي تَفِي بحاجة البلاد الضروريَّة مِن الدمِ الصالِح ـ ترى أنه لا مانعَ شرعًا مِن قيام ولِيِّ الأمرِ أو مَن يُنيبه باتِّخاذ ما يَراه مُلائمًا ومُناسِبًا من القوانين والإجراءات التي تُلزم الناسَ وتَحملهم على التبرُّع بالدم بما يُحقق المَصلحة العامَّة لأفراد المجتمع ويَدفع عنهم الهلاك والضرَرَ المُحقَّقَ، شريطةَ ألاّ يُؤدِّيَ ذلكَ إلى الإضرارِ بالمُتبرِّع لا في الحال ولا في المآلِ؛ لأنه “لا ضَرَر ولا ضِرَارَ” وأن يُتَّخذَ من الوسائل ما يَكفُلُ العدلَ والمساواة بين الجميع أخْذًا وعطاءً، طبقًا للضوابط والنُّظم التي تُوضع مِن أهل الاختصاص في ذلك لتحقيق العدالة بين الجميع، لأن الكُلَّ عند الله سواء، لا فرقَ بين غَنِيٍّ وفقير ولا بين قويٍّ وضعيف، لقولِه تعالى: (إنَّ أكرمَكمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ).