سجود التلاوة:

من قرأ آية سجدة أو سمعها يستحب له أن يكبر ويسجد سجدة ثم يكبر للرفع من السجود، وهذا يسمى سجود التلاوة ولا تشهد فيه ولا تسليم. فعن نافع عن ابن عمر قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا” رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. وقال أبو داود: قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث. وقال أبو داود يعجبه لأنه كبر. وقال عبد الله بن مسعود: إذا قرت سجدة فكبر واسجد، وإذا رفعت رأسك فكبر.
1- فضله:
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار” رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
2- حكمه:
ذهب جمهور العلماء إلى أن سجود التلاوة للقارئ والمستمع لما رواه البخاري عن عمر أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وفي لفظ إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وروى الجماعة إلا ابن ماجة عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم “والنجم” فلم يسجد فيها. رواه الدارقطني وقال: فلم يسجد منا أحد. ورجح الحافظ في الفتح أن الترك كان لبيان الجواز، وبه جزم الشافعي، ويؤيده ما رواه البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة “النجم” وسجدنا معه. قال الحافظ في الفتح: ورجاله ثقات. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ “النجم” فسجد فيها وسجد من كان معه، غير أن شيخًا من قريش أخذ كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافرًا”. رواه البخاري ومسلم.
3- مواضع السجود:
مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعًا. فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان. رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والدار قطني وحسنه المنذري والنووي، وهي:
1- (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عباداته ويسبحونه وله يسجدون) [الأعراف:206]
2- (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدو والآصال) [الرعد: 15].
3- (له يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) [النحل: 49].
4- (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يُتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا)[الإسراء: 107].
5- (إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) [مريم: 58].
6- (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مُكرم، إن الله يفعل ما يشاء) [الحج: 18].
7- (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) [الحج: 77].
8- (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا، وزادهم نفورا)[الفرقان: 60].
9- (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تُعلنون) [النمل: 25].
10- (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) [السجدة: 15].
11- (وظن داود أنما فتناه؛ فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) [ص: 24].
12-(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله إن كنتم إياه تعبدون) [فصلت: 37].
13- (فاسجدوا له واعبدوا) [النجم: 62].
14- (وإذا قريء عليهم القرآن لا يسجدون) [الإنشقاق: 21].
15- (واسجد واقترب) [العلق: 19].
4- ما يشترط له:
اشترط جمهور الفقهاء لسجود التلاوة ما اشترطوه للصلاة، من طهارة واستقبال قبله وستر عورة. وقال الشوكاني: ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئًا، وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين، وأيضًا قد كان يسجد معه المشركون، وهم أنجاس لا يصح وضوءهم. وقد روي البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء، وكذلك روى عنه ابن أبي شيبة، وأما ما رواه البيهقي عنه بإسناد قال في الفتح: إنه صحيح، أنه قال: “لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر” فيجمع بينهما بما قال الحافظ من حمله على الطهارة الكبرى، أو على حالة الاختيار، والأول على الضرورة وهكذا ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان، وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان فقيل: إنه معتبر اتفاقًا. قال في الفتح: لم يوافق ابن عمر أحدً على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي، أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح. وأخرج أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يوميء إيماء ومن الموافقين لابن عمر من أهل البيت أبو طالب والمنصور بالله.
5- الدعاء فيه:
من سجد سجود التلاوة دعا بما شاء، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: “سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين” رواه الخمسة إلا ابن ماجه، رواه الحاكم وصححه الترمذي وابن السكن، وقال في آخره “ثلاثًا” على أنه ينبغي أن يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إذا سجد سجود التلاوة في الصلاة.