يجوز للمرأة أن تبدي ما يظهر منها عادة أمام محارمها، من إظهار الشعر والرقبة وجزء من الذراعين والساقين، إن أمنت الفتنة، فإن خيف حدوث حرام بين المحارم لم يجز لها إبداء ما كان جائزا.
فالشريعة لم تبح يوما ما يفضي إلى الحرام، بل قال الفقهاء: كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام، وهذه قاعدة يجب أن ينتبه إليها.
غير أن فطرة المحارم أنهم يحموا محارمهم، وكل خروج عن ذلك فهو خروج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولهذا، فإن الشرع أباح للمحارم أن يروا من محارمهم ما يظهر في الخدمة ومن الزينة غالبا، والمقصود هنا بالزينة الظاهرة، أما الزينة الداخلية فلا يجوز إظهار، لأنها مظنة الفتنة، وعند الشهوة ينسى المرء كل الحواجز، ويكون مغلوبا على عقله، وحدود عورة المرأة مع المحارم وسط بين ما يظهر من المرأة خارج البيت وداخله، وبين المحارم والأجانب، وهو مبني على ألا يكون هناك تضييق على المرأة، فهي مأمورة بالستر خارج البيت وأمام الأجانب، فلا يضيق عليها، فلا تؤمر بالحجاب داخل البيت أمام محارمها، ولكنَّ الشريعة أيضا ما أباحت لها أن تظهر كل شيء، ولكنها أباحت ما لا يدعو إلى الفتنة غالبا، مع التيسير عليها.
و وضعت الشريعة ضابطا هاما، فهي أباحت ما يظهر غالبا من المرأة، لكن عند أمن الفتنة، ولم يجد المحارم شهوة تتحرك تجاه محارمهم، فإن وجدت الشهوة، ولم تؤمن الفتنة، حرم ما كان حلالا؛ سدرا لإتيان الحرام، بناء على تغير العلة من الحكم، مع بقاء النص كقاعدة للأسوياء من الناس. ونأخذ بقاعدة ” ما أدى إلى حرام فهو حرام”، وقاعدة :” الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما”.
أما ما يجوز للرجال أن يروه من محارمهم من النساء ، فالأصل فيه قوله تعالى :” وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ” النور: 31.
و الأصناف التي ذكرتها الآية، والتي تجوز لهم رؤية ما ظهر من المرأة، هم: الزوج، والأب، وأب الزوج، والأبناء، وأبناء الزوج والإخوة وأبناء الإخوة والأخوات و النساء المؤمنات، وألحق بهم البعض غير المؤمنات إن كن عفيفات مؤتمنات، وملك اليمين.
ويضاف إلى ذلك المحارم من الرضاع، قياسا على قوله ﷺ :” يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
أما الحدود التي يجوز للمرأة أن تكشفها أمامهم، فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز لهم النظر إلى ما بين السرة والركبة، وكذلك لا يجوز للمرأة أن تكشف هذا أمامهم، إلا الزوج، فإنه يجوز له رؤية كل شيء؛ إذ لا عورة بين الزوجين .
وما سوى ذلك، فقد تباينت أقوال الفقهاء بين موسع ومضيق، حسب فهم الزينة للمرأة، فقال الأحناف: لهم النظر إلى الرأس والوجه والصدر والساق والعضد إن أمن شهوته، وشهوتها أيضا، ولا ينظر إلى الصدر والبطن، مع ما بين السرة والركبة.
و ضيق المالكية فلم يروا إلا أن ينظر المحرم إلى الذراعين والشعر وما فوق النحر وأطراف القدمين، وصرحوا قائلين :” فليس له أن يرى ثديها ولا صدرها ولا ساقها بخلاف شعرها” .بل قالوا :” لا يجوز ترداد النظر وإدامته إلى شابة من محارمه أو غيرهن إلا لحاجة أو ضرورة كشهادة ونحوها ، ويقيد أيضا بغير شهوة وإلا حرم حتى لبنته وأمه”.
وللشافعية رأيان: الأول: يحل للمحرم أن يرى كل شيء عدا ما بين السرة والركبة، والثاني: لا يحل النظر إلى إلا إذا ما يظهر في الخدمة عادة، كالرأس والعنق والوجه والكف والساعد وطرف الساق، إذ لا ضرورة إلى غيره.
وعند الحنابلة يجوز له أن ينظر إلى ما يظهر عادة كالوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق، وليس له النظر إلى ما يستر غالبا، كالصدر والظهر ونحوهما. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد – عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه؟ فقال: هذا في القرآن: { ولا يبدين زينتهن } إلا لكذا وكذا. قلت: فينظر إلى ساق امرأة أبيه وصدرها؟ قال: لا ما يعجبني. ثم قال: أنا أكره أن ينظر من أمه وأخته إلى مثل هذا، وإلى كل شيء لشهوة.
بل تشدد بعض الفقهاء، ورأوا أنه لا يجوز للرجل النظر على شعر ذوات المحارم، كما ذهب إليه الحسن والشعبي والضحاك، وهو مذهب متشدد يخالف صريح القرآن، ولكن يمكن الأخذ به عند خشية الفتنة وتحريك الشهوة ، ولكنه ليس أصلا، ولا نريد أن نضيق على الناس ما وسع الله تعالى عليهم.
والذي نرجحه أنه يجوز للمحارم النظر إلى ما يظهر من المرأة غالبا، كالشعر والنحر وما يظهر من الأطراف.
ويمكن التفريق بين أنواع من المحارم حسب دين كل واحد، بناء على حفاظه على المحرم، فلا يستوي الوالد مع والد الزوج، ولا الأخ من النسب، مع الأخ من الرضاع، فتقدم المحارم الأصيلة على المحارم من النسب والمصاهرة.
ومن اللافت للنظر أن آية المحارم لم تذكر الخال والعم، لأن العلماء اختلفوا: هل هما من المحارم أم لا؟
والراجح أنهما من المحارم، كما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ورأى البعض كالشعبي وعكرمة أنهما ليسا من المحارم، ولكن لم تذكرهما الآية، لأنهما لا يعيشان مع النساء كباقي المحارم من النسب، ولم تذكر الآية المحارم من الرضاع، مع أنهم من المحارم.
على أن الحكم بجواز النظر إلى ما يظهر عادة مرتبط بغيرة المحرم على محرمه، وسعيه في الحفاظ عليها، فإن خرج عن فطرته وأصل خلقته، وجب الستر، وحرم النظر.