زيارة الأضرحة مثلها مثل زيارة القبور فيها العظة والعبرة،بشرط أن يسلم الزائر من البدع والمخالفات الشرعية التي يفعلها بعض الناس، مثل التمسح ، والتبرك، والاستغاثة بالمقبورين، فإذا خلت الأضرحة من معنى العظة، والتذكر، وأصبحت متنزها، أو مكانا للبدع والمخالفات كانت زيارتها ممنوعة. وعليه فإذا زار الإنسان الأضرحة كما يزور المقابر العادية بقصد الاعتبار بالموت والاتعاظ به من غير أن يعتقد فيها خصوصية عن بقية القبور فلا مانع.
أما زيارة الأضرحة لذاتها، واعتقاد أن فيها نفعا خاصا، فهذا لا يجوز، فإذا أضيف إلى هذا دعاء أصحاب هذه الأضرحة، والاستغاثة بهم كان الأمر أشد خطرا ومنعا يخشى أن يوصل للشرك، وعليه فسدا للذريعة ينبغي إغلاق هذا الباب، وليكتف الناس بزيارة المقابر العادية ففيها العظة والعبرة.
يقول الشيخ عطية صقر-رحمه الله تعالى- من كبار علماء الأزهر:-
الأضْرِحَة جمع ضريح، والضريح هو الشق وسط القبر. وتعارف الناس عليه إذا دُفِنَ فيه شخص له قيمة دينية أو غيرها من القيم التي تحتل من نفوس الناس مكانة كبيرة، واتخذت الأضرحة شكلاً معينا من البناء تعلوه قُبة تفنَّن الناس في شكلها وفي زخرفتها.
وكثرت هذه الأضرحة في مصر منذ عهد الفاطميين الذين أقاموا كثيرًا منها لآل البيت وكبار رجال الدولة، وعرفت بالمشاهد أسوةً بما أطلِق على أضرحة الأئمة من العلويين. ثم جاءت الدولة الأيوبية وأقامت مثلها لكبار رجال السُّنَّة. ومن أكبرها ضريح الإمام الشافعي.
والأضرحة شأنها شأن سائر القبور في أن زيارتها سُنة لما فيها من فوائد للزائر والمزور، ففيها للزائر عِبْرَةٌ وعِظة، كما في قول النبي ـ ﷺ ـ: “كنت نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزَهِّد في الدنيا وتذَكِّر الآخرة”. وقوله: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أُذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فزوروها فإنها تذكِّر الآخرة”. وقد صح في مسلم إذن الله لنبيه بزيارة قبر أمه، وعدم إذنه في الاستغفار لها.
وفي الزيارة نفعٌ للمزور بالسلام عليه والدعاء له، وبما تقدَّم ذكره من أُنس الميت بمن يزوره. وقد علَّمنا النبي ـ ﷺ ـ آداب الزيارة التي منها أن نقول ما علَّمه السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ: “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحَم الله المسْتَقْدِمِين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. وجاء في إحدى الروايات لهذا الحديث “نسأل الله لنا ولكم العافية”.
ويقول العلامة ابن باز – رحمه الله:-
الاستعانة بالمقبورين من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك والغلو في أهل البيت وغيرهم من الأموات، ودعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون من دعاهم أو استغاث بهم، ومن الكذب على الله سبحانه، وقد قال سبحانه: “إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون [النحل: 105]وقال النبي – ﷺ – “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” متفق على صحته عند البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة –رضي الله عنه-.انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:-
الذبح للأموات أو النذر لهم شرك أكبر، والولي: من والى الله بالطاعة ففعل ما أُمر به وترك ما نُهي عنه شرعا ولو لم تظهر على يده كرامات، ولا يجوز طلب الدعاء من الأولياء أو غيرهم بعد الموت، ويجوز طلبه من الأحياء الصالحين، ولا يجوز الطواف بالقبور، بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركا أكبر، وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة، فإن القبور لا يطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله. انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :-
ولهذا كانت زيارة قبور المسلمين على وجهين : زيارة شرعية وزيارة بدعية .
فالزيارة الشرعية أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت ; كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له . فالقيام على قبره من جنس الصلاة عليه قال الله تعالى في المنافقين : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } فنهى نبيه عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون . فلما نهى عن هذا وهذا لأجل هذه العلة وهي الكفر دل ذلك على انتفاء هذا النهي عند انتفاء هذه العلة . ودل تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلى عليه ويقام على قبره إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد لم يخصوا بالنهي ولم يعلل ذلك بكفرهم . ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السنة المتواترة فإن النبي ﷺ يصلي على موتى المسلمين وشرع ذلك لأمته وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره ويقول { سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل } رواه أبو داود وغيره . وكان يزور قبور أهل البقيع والشهداء بأحد ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم { السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية . اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم } وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله ﷺ خرج إلى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون } والأحاديث في ذلك صحيحة معروفة . فهذه الزيارة لقبور المؤمنين مقصودها الدعاء لهم . وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار كما ثبت في صحيح مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه { عن أبي هريرة أنه قال : أتى رسول الله ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي فاستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت تشرع ولو كان المقبور كافرا بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين .
وأما الزيارة البدعية فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج أو يطلب منه الدعاء والشفاعة أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء . فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي ﷺ ولا فعلها الصحابة لا عند قبر النبي ﷺ ولا عند غيره وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك .