إخراج الزكاة على حلى المرأة المتخذ للزينة من المسائل المختلف فيها ، مع أنه لم يرد عن النبي ﷺ نص صحيح صريح يقضي بإخراجها أو يستثنيها ، لكن ورد أحاديث اختلف في صحتها وفي دلالتها ، وقد ذهب الجمهور وبعض المحققين إلى أن الراجح عدم وجوب الزكاة في الحلي المتخذ للزينة ، وإن كان الأورع والأحوط إخراجها كما دل عليه فعل الصحابة .
وكيفية إخراج الزكاة : أنه إذا كان الذهب بلغ 85 جراما من الذهب الخالص فيخرج قيمة 2.5%، ويكون وقت الإخراج هو بعد مرور عام هجري كامل على امتلاك النصاب .
وأما إذا كانت النية من شرائه الادخار فالواجب الزكاة ، والعبرة بالنية والنية هي نية المالك.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
حلى الذهب والفضة للنساء لم يرد في شأنها شيء في كتب صدقات النبي – ﷺ -، ولا جاء نص صحيح صريح بإيجاب الزكاة فيه أو نفيها عنه، وإنما وردت أحاديث اختلفت الفقهاء في ثبوتها، كما اختلفوا في دلالتها .
ومن أسباب الاختلاف أيضًا: أن قومًا نظروا إلى المادة التي صنع منها الحلي، فقالوا: إنها نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقدًا، يجرى به التعامل بين الناس، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع، ومن ثم أوجبوا فيه الزكاة كسبائك الذهب والفضة ونقديهما.
وأن آخرين نظروا إلى أن هذا الحلي بالصناعة والصياغة خرج من مشابهة النقود، وأصبح من الأشياء التي تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع والثياب، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع، لأن الزكاة -كما عرفنا من هدى الرسول- إنما تجب في المال النامي أو القابل للنماء والاستغلال، ومن هنا قال هؤلاء: لا زكاة في الحلي.
وهذا الخلاف إنما هو في حكم الحلي المباح، أما الحلي الذي حرمه الإسلام، فقد أجمعوا على وجوب زكاته.
أما ما يستدل به الموجبون من قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) (التوبة: 34) الآية، وقولهم: إن الحلي من الكنوز، فيرده: أن إطلاق الكنز على الحلي المتخذ للاستمتاع بعيد (كما قال الدهلوي في الحجة البالغة: 509/2) إنما تريد الآية: الذهب والفضة التي من شأنها أن تنفق بدليل: (ولا ينفقونها) وذلك إنما يكون في النقود لا في الحلي الذي هو زينة ومتاع؛ إذ لم يوجب أحد إنفاق الحلي المباح إلا في ضرورات تقدر بقدرها.
وأما الأحاديث التي استند إليها الموجبون لزكاة الحلي، فللمانعين مواقف منها، من حيث ثبوتها، أو من حيث دلالتها.
فأما الحديث الأول فمتفق على صحته: “وفي الرقة ربع العشر” ولكن الرقة إنما هي الدراهم المضروبة، ولا تطلق على الحلي المصوغ .
وأما الأحاديث الأخرى، فمنهم من ردها من حيث السند، كالترمذي الذي قال: “لا يصح في هذا الباب شيء” (صحيح الترمذي بشرح ابن العربي: 131/3، باب “ما جاء في زكاة الحلي”).
وحتى ابن حزم، فمع أنه يقول بوجوب الزكاة في الحلي، لم يعتمد على هذه الأحاديث، بل أنكر على من احتج بها، قال: واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية لا وجه للانشغال بها (المحلى: 78/6)، وإنما اعتمد ابن حزم على العمومات الواردة في زكاة الفضة والذهب.
وأما ما ورد عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود -وقد صح ذلك عنه- وابن عمرو بن العاص -وفي صحته كلام- فالملاحظ: أنهم لم يفتوا بذلك الناس كافة، ولم يرد عنهم أنهم ألزموا به الجميع.
وكل ما ورد عنهم أنهم عملوا بذلك في خاصة أنفسهم وبيوتهم، فامرأة ابن مسعود تسأله عن طوقها الذهبي: أتؤدى زكاته ؟ فيجيبها: نعم وسؤالها عنه يدل على أن حكم الحلي لم يكن متعلمًا بينهم وابن عمرو يزكي حلي بناته كل عام فلا يبعد أن يكون هذا ورعًا منهم، وعملاً بالاحتياط لأنفسهم وأهلهم في أمر لم يعرفوا فيه عن الرسول حكمًا.
الأثر الوحيد الذي يخرج عن هذه الدائرة هو ما قيل إن عمر كتب إلى أبي موسى أن يأمر نساء المسلمين أن يزكين حليهن، ولكن هذا لم تثبت صحته، وأنكر الحسن أن يكون أحد من الخلفاء أوجب زكاة الحلي .
وقال الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر ” رحمه الله ” في رده حول سؤال مماثل :
رَوى أصحاب السُّنَنِ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّهِ ـ رضي الله عنهم ـ أن امرأةً أتتْ النبي ـ ﷺ ـ ومعها بنت لها، وفي يَدِ ابنتها مَسَكتانِ غليظتان من ذهبٍ ( والمَسَكة ـ بفتح الميم والسين ـ هي: السِّوار ). فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ فقالت : لا. قال : أيَسُرُّكِ أنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بهما يوم القيامة سِوارَينِ من نارٍ ( أي لعدم زكاتهما ) فخلعتهما فألقتهما إلى النبي ـ ﷺ ـ وقالت: هما لله ولرسوله: أي لإنفاقهما في سبيل الله).
وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كنتُ ألبس أوضاحًا من ذهبٍ (والوَضَحُ ـ بفتح الواو والضاد ـ هو: الخَلْخَالُ لوُضوحه وبَيَاضِهِ) فقلت: يا رسول الله، أكنزٌ هذا؟ فقال: ما بلغ أن تُؤدَّى زكاته فزُكِّيَ فليس بكَنْزٍ. رواه أبو داود والحاكم.
وكذلك رُوي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: “دخل عليَّ النبي ـ ﷺ ـ فرأى في يدي فَتَخَاتٍ من وَرِقٍ (والفَتَخَةُ ـ بفتح الفاء والتاء ـ هي: الخاتم الكبير من الفِضَّةِ) فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: صنعتُهنَّ أتَزَيَّنُ لكَ يا رسول الله. قال: أتُؤَدِّينَ زكاتَهُنَّ؟ قلت: لا. قال: هو حسبك من النار”. رواه أبو داود والحاكم.
وقد ذهب بعض الأئمة ـ استنادًا إلى هذه الأحاديث ـ إلى وجوب إخراج الزكاة عن الحُليِّ التي تلبسها المرأة أو تمتلكها، وذهب ابن حزم إلى أن الزكاة واجبة في حُليِّ الذهب والفضة، سواء أكانت حلىَّ رجلٍ أم حلىَّ امرأة، وكذلك حِلْيةُ السيف والمصحف والخاتم، وكل مصنوع من الذهب والفضة، حلَّ اتِّخاذُه أم لم يَحِلّ.
ولكن الترمذي حكم بضعف السند في الحديث الأول لوجود ابن لهيعة فيه، وكذلك قال بعض الأئمة إن الأحاديث السابقة قيلت قبل حِلِّ الذهب للنساء، أو من باب التزهيد في الزينة.
وكذلك رُوي عن نافع عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن ابن عمر كان يُحلي بناته وجواريه بالذهب، ثم لا تخرج منه الزكاة0 رواه مالك والشافعي. وكذلك رَوى البيهقي والشافعي عن عمرو بن دينار ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله على الحُليِّ: أفيه زكاة قال: لا. قال : وإن كان يبلغ ألف دينار ؟ قال: وإن كثُر.
وكذلك روى الدارقطني أن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ كانت تُحلي بناتها الذهب نحو خمسين ألفًا ولا تُزكِّيه.
وكذلك روى مالك أن عائشة كانت تُحلِّي بنات أخيها يتامَى في حِجرها، لهن الحليُّ فلا تُخرج منه الزكاة.
ولذلك ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن الزكاة غير واجبة في الحلي التي تستعملها المرأة كالقِرْط والخاتم والسُّوار والخَلْخال ونحوه، وجاء في المذهب الحنبلي أنه لا زكاة في الجواهر التي يُتَحلَّى بها كالماس واللؤلؤ والمرجان. ويروى عن أنس رأْيٌ ثالث، وهو أن الزكاة تجب في الحلي مرة واحدة، ثم لا تجب بعد ذلك.
وهذا كله يقال طبعًا في حُلِيِّ التزيُّن، أما إذا كان الحلي للاتِّجار فيها، كما إذا اشترت المرأة الحلي، وتاجرت فيها، فإنها في هذه الحالة تجب فيها الزكاة وتُعَدُّ من عُرُوض التجارة.
والنفس تطمئن إلى أن حلى المرأة إذا كانت للزينة، وكانت في قيمتها لا تزيد عن الحدِّ المعروف المألوف لمَن في مستواها مِن مَثيلاتها، فإنها في هذه الحالة تعدُّ جزءًا مما تحتاج إليه المرأة في زينتها ولبسها؛ ولذلك لا تجب فيها، وأما إذا كانت الحلي التي توجد عند المرأة أكثر من حاجتها للزينة، وحازت المرأة هذه الحلي لتُتاجر فيها، أو لتَكنزها وتدخرها، فإنَّ الحلي في هذه الحالة تجب فيها الزكاة.