جعل الله تعالى أمة الإسلام أمة متميزة ، وفضلها على غيرها من الأمم ، وأراد لها أن تكون قائدة غير مقودة، والتشبه بأفعال شاربي الخمر ولو كان الشراب مباحا في ذاته حرام لا من أجل الشراب بل من أجل التشبه.
يقول الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :
يُريد الحق ـ تبارك وتعالى ـ لأمة محمد ـ ﷺ ـ على الدوام أن تكون أمةً قائدةً لا مقوده، مُرشِدة لا تابعة، ويُريدها خير أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهَى عن المنكر، وتكون في الناس وسطًا بين الإفراط والتفريط، فلا جوْر فيها ولا شطط، بل اعتدالٌ وقسطاس في جميع الأمور. ولذلك يُريدها ـ سبحانه وتعالى ـ متميزة بأخلاقها وعاداتها وتقاليدها ومظاهرها الفردية والاجتماعية.
ولعل هذا هو السرُّ في عناية السنة المحمدية ـ على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات ـ بأمور كثيرة جزئية يظنها الغافل شيئًا تافها لا يقام له ميزان، وهو لو تدبَّر الأمر حقَّ تدبُّره لعلم أن هذه الأمور إن كانت جزئية أو شكلية ترسم باجتماعها والتئامها صورة المسلم الصحيح؛ ولذلك ـ أيضًا ـ شدَّد الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في عدم التشبُّه بغير المسلمين، وحذر من متابعة الكافرين والذين يدينون بغير دين الإسلام، وكثيرًا ما أمر قومه بمخالفة هؤلاء في أمور ظاهرية. ومن هنا يسهل علينا أن نفهم أن مَن قصد التشبُّه بقومٍ عامدًا مُتعمدًا كان داخلاً فيهم أو قريبًا منهم.
والمثل يقول: إن الطيور على أشكالها تقع. وبهذا تستطيع أن تحكم على أن شرب الشيء المباح بصورة شرب الشيء المحرم أمر لا يليق المسلم أن يأتيه.
وتعجبني هنا عبارة لحجة الإسلام الغزالي يقول فيها: ” لو اجتمع جماعة وزَيَّنوا مَجلسًا، وأحضروا آلاتِ الشراب وأقداحه، وصبُّوا فيها السكنجبين ( شراب يَحلُّ تناوله ) ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويَسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويُحيي بعضُهم بعضًا بكلماتهم المعتادة بينهم، حرُم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مباحًا في نفسه؛ لأن في هذا تشبُّها بأهل الفساد “.
ما أجدر أمة محمد بأن تكون مُستقلة عزيزة، لها شخصيتها وكرامتها، ولها مظاهرها الخاصة بها، فما أضاع كيانها، ولا أذلَّ سلطانها، ولا هدم إيوانها، إلا مُتابعتها لسواها، مع أن الله ـ تعالى ـ قد كفاها مَؤونة ذلك، وكتب لها العزة لو أنها استقامت على صراطه المُبين.
والله أعلم.