رؤية النبي (ﷺ) في الواقع دون حلم أو تخيل، فهذا غير ممكن؛ لأن النبي (ﷺ) انتقل إلى الرفيق الأعلى، وهو في عالم الغيب، والذين يعيشون في عالم الشهادة لا يمكنهم أن يدركوا ما يجري في عالم الغيب، ومن زعم أنه رأى النبي (ﷺ) في الواقع دون حلم أو تخيل، فهو ممن شبه عليهم، سواء أكان صالحًا مستقيمًا أم كان غير ذلك، وما يزعمه بعض الصوفية من وقوع مثل هذا لهم، لا أساس له في الشرع من كتاب أو سنة، ولعله من مواجيدهم والحالات الخاصة التي تعتريهم فيغيبون بسببها عن الوعي والإدراك، ومثل هؤلاء على الأقل في هذه الأحوال لا يستفاد من قولهم علمًا ولا معرفة.
حكم رؤية النبي في المنام؟
قال العلماء في شرحهم للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي (ﷺ) : “مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي”.
إن هذا محمول على رؤية النبي (ﷺ) بصفاته الخَلقية الواردة في الأحاديث الصحيحة ، فإن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي (ﷺ) .
أما أن يأتي الشيطان في صورة أخرى سواء في اليقظة أو في المنام ثم يكذب ويقول : إني رسول الله (ﷺ) فهذا من الكذب ، وليس هي رؤية النبي (ﷺ).
فإذا رأى المسلم النبي (ﷺ) في صفته الواردة في السنة فيكون رأه حقاً ، أما إن رأه على غير صفته التي وردت في السنة المطهرة والسيرة النبوية فللعلماء في هذه المسألة قولان :
القول الأول: أن ذلك يدل على نقص دين الرجل .
القول الثاني: الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه الصورة كذب ، وهي من الشيطان ، خاصة إذا رأه في اليقظة ، فإن ذلك كذب قطعاً فإن النبي (ﷺ) حي حياة برزخيه ولا يراه أحد في اليقظة ولا يزور أحداً ولا يكلم أحداً .
وما يدعيه البعض من أن النبي (ﷺ) قد أتى إليه في اليقظة وحدثه وأخبره فإن هذا بلا شك من الشياطين والجن ، خاصة أن ذلك لم يحدث لأكابر الصحابة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وسعد ، وأهل بدر وأهل الشجرة وغيرهم من الصحابة سادة أولياء وأكابر المتقين.
حكم رؤية النبي وإخباره بحكم شرعي؟
رؤيته (ﷺ) بصفته المذكورة في السنة الصحيحة هي بشرى وأنه سيراه في اليقظة ، لكن إذا أخبره بأمر شرعي يخالف ظاهر الكتاب والسنة فهل يعمل بما أخبره به أم يعمل بظاهر الكتاب والسنة ؟ أو أخبره بمسألة لا بد فيها من بينة كأن تراءى الناس الهلال ولم يروه فأخبره أن غداً رمضان فهل يعمل بذلك أم لا أو أخبره أن فلاناً سرق من فلان أو في خصومة أن فلاناً معه الحق فهل يشهد بذلك؟
نص العلماء على أنه إذا رأى النبي (ﷺ) وأخبره بأمر يخالف ظاهر الكتاب والسنة أو بأمر لا بد فيه من البينة أنه لا يعمل بذلك ؛ لأن الرؤية ليست تكليفاً وهو مكلف بالعمل بما في اليقظة ، ويجب أن يعلم أن الرؤيا للأنبياء وحي ، وأما رؤية الأنبياء في الرؤيا فليست وحياً بالاتفاق ، ولكنها بشرى ، وقد بين ذلك النووي رحمه الله تعالى .