يقول الشيخ الدكتور محمد الحمود النجدي:
إن من أعظم المُهمَّات وأوجب الواجِبات معرفةُ المُسلم عقيدتَه وأحكامَ دينَه المُستمدَّة من القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة، وما أجمعَ عليه السلفُ الصالِح من صحابةِ رسولِ الله ﷺ والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ألا وإن من عقائِدِ أهل السنَّة الثابتة المُتواتِرة بالكتاب والسنَّة رُؤيةُ الله تعالى في الآخرة لعبادِه المُؤمنين من أهل الجنَّات، قد تواتَرت النصوص من القرآن والسنَّة في ثُبُوت رُؤية المُؤمنين لربِّهم جل جلالُه وتقدَّسَت أسماؤُه بغير تمثيلٍ ولا تشبيهٍ لأنّه سبحانه وتعالى ليس له مثلٌ ولا نظيرٌ وهو السميعُ البصير.
يقول ابن القيم رحمه الله: رُؤيةُ الله عز وجل في الآخرة هي التي شمَّرَ إليها المُشمِّرون، وتسابقَ إليها المُتسابِقون، وفيها يتنافسُ المُتنافسون، وهي أعظمُ نعيمٍ يُعطاه أهلُ الجنَّة، كما أن أعظمَ حِرمانٍ لأهل الجحيم ألا يرَوا الله سبحانه وتعالى.
هل يرى المؤمن ربه يوم القيامة؟
يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه: (وجوهٌ يومئذ ناظِرَةٌ إلى ربِّها ناظِرَةٌ ) وجوهٌ يومئذ ناظِرَةٌ مشرقة فيها نظرةُ النعيم وهي وجوه أهل الجنَّة إلى ربِّها ناظِرَةٌ لا أصرَحَ من هذا الخِطاب، ولا أوضَحَ من هذا الجواب، الذي بيَّنه الله تعالى لعباده المؤمنين إلى -ربِّها ناظِرَةٌ-
ويقول الرسول ﷺ كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي ﷺ هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ “قَالَ نَعَمْ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ”. التشبيه هنا في وضوح الرؤية وفي جلائها ليس تشبيه الله بالشمس. لا، المقصود أنكم ترون الله بكل سهولة وبكل يسرٍ كما ترون الشمس دونها ليس دونها سحاب، “إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ وَكَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ”.
وجاء في حديث صهيب رضي الله عنه في صحيح مسلم أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة بعد أن يدخلوا الجنة: “هل رضيتم؟ قالوا وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحدا من العالمين، ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تجرنا من النار؟ قال: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ أو هل أزيدكم؟ قالوا: وما أفضل من ذلك يا رب؟ فيكشف الله عز وجل الحجاب”، فما أعطي أهل الجنة نعيما أعظم عندهم من رؤية الله عز وجل، وذلك قوله: يقول الرسول ﷺ، وذلك قوله: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، الحسنى هي الجنة، الحسنى في القرآن هي الجنة، أما الزيادة فهي النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم، وأما الكفار وأما المشركون فإن الله يعاقبهم بأنهم لا يرونه، وهذا أعظم حرمان لهم، قال عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: لما حُجب هؤلاء في السخَط، لماذا حجبهم الله عز وجل لأنه غاضب عليهم لأنه ساخط عليهم، لما حجب هؤلاء في الغضب والسخَط، رآه أهل الإيمان في الجنة بالرضا سبحانه وتعالى.
وأما قوله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، فهذه لا تدل على أن الله لا يرى.
هناك فرق كما قال أهل العلم واللغة، بين الرؤية والإدراك، فرق كبير. أنت ترى الشيء لكن قد لا تدركه، لا تحيط به. لا تحيط بجوانبه. هذا حتى في المخلوقات. أنت ترى البحار ولكن لا تحيط بها، أنت ترى الجبال لكن لا تحيط بها، أنت ترى السماوات ولكن بصرك عاجز عن الإحاطة بها، فكيف بالرب العظيم والمولى الكريم جل جلاله وتقدست أسماؤه؟
هل يمكن أن نرى الله في الدنيا؟
أما في الدنيا، فلا يرى العبد ربه لأنه عاجز وضعيف لا يستطيع.
كما جاء في قصة موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال وسأل الله (ربي أرني أنظر إليك) ماذا قال له الله؟ هل قال له: لا يجوز أن تسألني هذا السؤال، أو أني لا أرى، ما قال الله ذلك؟ قال: لن تراني، أي هيئتك البشرية اليوم لا تمكنك من الرؤية، وإذا أردت أن تعرف عظمتي، فانظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني (فلما تجلى ربه للجبل، جعله دكا، وخر موسى صعقا قال سبحانك) إذاً العبد لا يرى الله عز وجل في الدنيا.
وحتى القول الصحيح أن الرسول ﷺ في المعراج ما رأى ربه، وقال: نور أنى أراه، حجابه النور سبحانه وتعالى.
وقال ﷺ في حديث الدجال: الدجال الذي يكون في آخر الزمان، يدعي الإله وأنه الله. قال ﷺ: “إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا” أي تعلموا أيها المسلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت، لا رؤية لا للأنبياء ولا للمرسلين ولا للأولياء الصالحين ولا لغيرهم لربهم في الحياة الدنيا، وإنما ذلك يكون لعباده المؤمنين به سبحانه في الدار الآخرة.
من أراد الفوز برؤية الله تعالى في الآخرة؟
-إذا أردت الفوز برؤية الله في الآخرة أيها المسلم فعليك أولًا بالإيمان بهذه العقيدة، ولا تكن من المكذبين، كأهل البدع الضالين، الذين نفَوا رؤيةَ الله عز وجل في الآخرة، وهم حريٌّ أن يُحرَموا من رؤية ربِّهم لجَحدِهم لكتاب ربِّهم ولسنة نبيِّهم ﷺ.
وما تواتَرت به النصوص وأجمعت عليه الأمة من سلفها من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الإسلام الأعلام كلهم لا خلاف بينهم في ثبوت رؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى في جنات النعيم.
-ثم عليك يامسلم بإقامة الصلاة جماعةً في أوقاتها، قال ﷺ: “إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر، ليس دونكم ودونه سحاب، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا”.
تريد رؤية الله عز وجل، لا تنام عن الصلاة، لا تنام عن الصلاة المكتوبة، لا توقف الساعة على الدوام. وتنسى صلاة الفجر قبل طلوع الشمس.
-ومن أسباب رؤية الله عز وجل الإلحاح على الله عز وجل بالدعاء بحصول ذلك، كما جاء في حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي رواه النسائي أن النبي ﷺ كان كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء “وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداتاً مهتدين”، يدعو به النبي ﷺ في صلاته ودعاء طويل.
وهذا مما جاء فيه فعلى المسلم السمع والطاعة لقول الله تعالى وقول رسوله، وعدم الالتفات إلى أهل البدع وأهل الأفكار المنحرفة المضلة الذين يعارضون كتاب الله وقول رسول الله بأفكارهم وأهوائهم وخزعبلاتهم وغيرها من مما يسمونه بعقلانياتهم.
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرَّة، ولا فتنة مضلَّة.