ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي.
وفي رواية: فقد رأى الحق. وفي رواية: من رآني في النوم فقد رآني، فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي. رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: فيه إشارة إلى أن الله تعالى وإن أمكنه “الشيطان” من التصور في أي صورة أراد، فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذهب إلى هذا جماعة قالوا في الحديث: إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليه، ومنهم من ضيق الفرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، وقال الحافظ: والصواب التعميم من جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره، وقد يكون لما خالف ذلك تعبير ما يتعلق بالرائي. كذا في الفتح. انتهى تحفة الأحوذي 6/548.

وذكر القرافي في الفروق: أن رؤيته عليه الصلاة والسلام إنما تصح لأحد رجلين:
أحدهما: صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته.

وثانيهما: رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه الصلاة والسلام، ومثاله المعصوم، كما حصل ذلك لمن رآه، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته، وأما غير هذين فلا يحل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يفيد قول المرئي لمن رآه أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله، لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم، وهذا وإن كان صريحاً في أنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص لا ينافي ما تقرر في التعبير أن الرائي يراه عليه الصلاة والسلام شيخاً وشاباً وأسود وذاهب العينين وذاهب اليدين، وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه الصلاة والسلام، لأن هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه عليه الصلاة والسلام وهو المرآة لهم، ….. إلى أن قال القرفي: وإذا صح له المثال وانضبط، فالسواد يدل على ظلم الرائي، والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذاهب، وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور الشريعة ونفوذ أوامرها، فإن اليد يعبر بها عن القدرة، وكونه أمرد يدل على الإستهزاء به، فإن الشاب يحتقر، وكونه شيخاً يدل على تعظيم النبوة لأن الشيخ يعظم، وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة. انتهى الفروق/4.