بداية يحرم في الإسلام شد الرحال لغير المساجد الثلاثة؛ المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وشد الرحال لقبور وأضرحة الأولياء، يوقع المسلم في الكثير من الشركيات والبدعيات، منها التوسل بغير الله، وطلب الاستغاثة من الميت، والخوف منهم والرجاء لهم، ولذلك فهذه الموالد من البدع المنكرة، وعلى العاقل أن يقف على سير الصالحين ليقتدي بهم، ويتعلم منهم الزهد والورع والتضحية في سبيل الدين، فهذا هو سبيل الاستفادة الشرعي من الصالحين، أما إقامة الموالد فلا يجوز إقامتها لما فيها من بدع ومحرمات دينية وأخلاقية.

والموالد بدعة ابتدعها المسلمون لتكريم الأولياء ، بتقديم النُّذُور وإقامة حفلات الذكْر ، ويعتبرونها من الأمور التي يتقرَّبون بها إلى الله عن طريق الولِيّ ، والتقرّب إلى الله يكون بمَا يرضاه ، ومهما قال أصحاب الموالد أن فيها ذِكْر لله ومَواعظ ، وفيها الصدقات ، وإطعام الفقراء ، فإن ما نراه فيها من ألوان الفُسوق واستباحة البِدَع والمُنكرات ما يُحتِّم حرمتها .

يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-بحرمة إقامة الموالد:
الموالد : هي هذه الحفلات الصاخبة ، أو المجتمعات السُّوقية العامة ، التي ابتدعها المسلمون في عُهودهم المتأخرة باسم تكريم الأولياء وإعلان قدْرهم ومكانتهم ، عن طريق تقديم النُّذُور والقرابين وذبْح الذبائح ، وإقامة حفلات الذكْر ، وعن طريق الخُطب والقصص والمناقب والأناشيد ، التي تُصور حياة الولِيِّ ، وتَصِف تنقُّله في معارج الولاية ، وما يتحدث به الناس عنه ، ويُضاف إليه من كشْفٍ وخوارقَ وكراماتٍ .

تُقام تلك الحفلات لأولياء المُدن ، ولكثير من أولياء القرى ، وقد تُقام حفلة الميلاد في السنة الواحدة للولي الواحد مرتينِ فأكثر ، ولهذه الموالد على العموم عُشاق يضعونها في مَصافِّ الشئون الدينية التي يتقرَّبون بها إلى الله عن طريق الولِي ، فيَحفظون تواريخها ، ويُهيئون طول العام لها ، حتى إذا ما حلَّ وقتُها تراهم يَحزمون أمتعتهم ، ويَرتحلون بقَضِّهِم وقَضِيضِهِمْ ، برجالهم ونسائهم ، بشيوخهم وشُبَّانهم ، ويُلقون بأحمالهم ـ كما يقولون ـ على شيَّال الحمول صاحب المولد ، تاركينَ بُيوتهم ومَصالحهم في قُراهم ومزارعهم مدةً تتراوح بين أسبوع وأسبوعين.

والمشايخ الأولياء ـ من جهة تعلُّق الناس بهم ، والعناية بمَوالدهم ـ على قِيَمٍ مختلفة ودرجات متفاوتة ، فمنهم مَن يَعْظُمُ عند الناس جاهُه ، ويمتد في نظرهم سلطانه ، ويتسع صدره لكل لونٍ من ألوان الحياة ، ولكل رغبةٍ مِن رغبات الطوائف ، حتى لقد تَرَى حفلات المُقامرين والمقامرات بجانب حفلات المُدمنين والمدمنات ، وبجانبها حفلات الذاكِرينَ والذاكرات ، والخلِيعين والخليعات ، والراقصين والراقصات ، ويَجُوسُ خلال الجميع المُتسوِّلون والمُتسولات ، والنشَّالون والنشالات ، وكل ذلك يُصنع في الموالد ، وعليه تُقام ، وإليها يُهرع الناس باسم الولاية وتكريم المشايخ .

الموالد مباءة للمفاسد :
ومهما قال عُشاق الموالد ، والمُتكسبون بها ومُروِّجوها ـ من أن فيها ذِكْرَ الله والمَواعظ وفيه الصدقات ، وإطعام الفقراء ـ فإن بعض ما نراه فيها ويراه كل الناس ـ من ألوان الفُسوق وأنواع المَخازي ، وصور التهتُّك ، والإسراف في المال ـ ما يُحتِّم على رجال الشئون الاجتماعية ، وقادة الإصلاح الخُلقي والديني المبادرة بالعمل على إنْهائها ووضْع حدٍّ لمَخازيها ، وتطهير البلاد مِن وَصْمَتِهَا ، ولقد صارت بحقٍّ ـ لسُكوت العلماء عنها ـ مباءةً عامة تُنتهك فيها الحُرمات ، وتُراق في جوانبها دماء الأعراض ، وتُمسخ فيها وُجوه العبادة ، وتُستباح البِدَعُ والمُنكرات ، ولا يقف فيها أرباب الدِّعارة عند مظهر أو مظهرين من مظاهر الدعارة العامة ، وإنما يُنكرون ويَبتدعون ما شاء لهم الهوَى من صور الدعارة المُقوِّضة للخُلق والفضيلة .

ومِن أشد ما يُؤلم، أن نرى كثيرًا من تلك المناظر الداعرة تُطوِّق في المدن معاهدَ العلم والدين ومساجد العبادة والتقوى، على مَسْمَعٍ ومرأى من رجال الدين أرباب الدعوة والإرشاد.

أما بعدُ : فهذا هو حُكم الدين في الموالد ، فمَتى يتنبَّه المسلمون ويتقرَّبون إلى الله بمَا يرضاه الله ، وتقرَّب به إليه أولياؤه : “الذين آمنوا وكانوا يتَّقون” .