يقول الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء ـ رحمه الله ـ : إنَّ في شريعتنا الإسلامية مُتَّسعًا من هذا الحرج، فإن فريقًا من أئمة الشريعة يُجيزون أكْل لحوم أهل الكتاب متى كانوا أماتوها للأكل، بأيِّ طريقة كانت إماتتهم لها، ولو بغير الذبح الشرعي المطلوب من المسلم، باعتبار أنَّ الله تعالى لما قال لنا في كتابه العزيز: (وطَعامُ الذين أُوتوا الكِتَاب حِلٌّ لكم) (المائدة: 5) كان يَعلَم طريقتهم في إماتة الحيوان لأجل أكْله، فهذه رُخصة يَجعلها الله للمسلمين تجاه أهل الكتاب السماويِّ، تمييزًا لهم عن المشركين والملاحدة؛ الذين لا تُؤكل ذبائحهم ولو ذَبحوها وَفقًا للطريقة الإسلامية ولا يَمتنع علينا أكله من اللحوم التي يُهيئها الكتابيون للأكل إلا اللحم المُحرَّم نوْعه في الإسلام ، وفي طليعتها الخنزير، ثم السِّباع (وهي آكلات اللحم من الحيوان البري والطير) وكذا الحشرات والهوامّ من الخبائث في النظر الإسلامي.
أما اللحوم في البلاد الشيوعية اليوم فلا تُؤكل؛ لأنهم مَلاحدة لا يُؤمِنون بالله تعالى، فهم كالمشركين بل أشْنع، ولو ذَبحوها وَفقًا للطريقة الإسلامية ما دام الذابح شيوعيًا مُلحدًا، لأنَّ سبب التحريم في هذه هو الذابح وعقيدته نفْسه، لا طريقة الذابح .
وما دام المسلم في بلدٍ من بلاد النصارى من أهل الكتاب، تُقِيم فيها، فكُلْ من لحوم حيوانهم متى كانت من النوع المأكول في الإسلام، وتَرخَّصْ فيما رَخَّص الله تعالى لك ما دام في ذلك مذهب اجتهادي من مذاهب أئمة الشريعة وفقهائها وصحابة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو تابعيهم، فهم أعلم منا بما حَرَّم الله تعالى وما حَلَّل، ولنا فيهم خير أسوة وقدوة .
وتتميمًا للفائدة في تفصيل هذا الموضوع وأدلته الشرعية يرجع لكتاب “الحلال والحرام” للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي من أفاضل علماء العصر، وهو كتاب قيم يَنبغِي لكل أسرة مسلمة أن يكون في مكتبتها البيتية، وينبغي لكل مثقف مسلم أن يَقرأه، وقد سدَّ به مؤلِّفه حاجة علمية إلى مثله في الناشئة الإسلامية، وفراغًا كان ملحوظًا قبله، جزاه الله خيرًا.