سبق في المجلد الأول بيان أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وهو رأي جمهور العلماء، وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خُضْرٍ تسرح في الجنة تأوي إلى قناديل تحت العرش، كما رواه مسلم وغيره، وذلك بعد مُفارقة الحياة لهم بالموت في سبيل الله، حيث يُحييهم الله وينعم عليهم كما قال سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (سورة آل عمران :169) أما أن يدخل الجنة أحدٌ في الدُّنيا قبل موته فذلك ممكن إذا رأي ذلك في المنام، كما يري أشياء من الصعب تحقُّقها في عالم اليقظة كالطيران والطواف حول الأرض، وما إلى ذلك، وقد رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في منامه الجنة، وأنه ارتقى إلى مدينة مبنيَّة بِلَبِنٍ ذهبًا ولَبِنٍ فضة فدخَلها، وقال له الملكان: هذه جنة عدْن، وهذا منزلك. فطلب منهما دخوله فقالا له: إنه بقي لك عمر لم تستكملْه، فلو استكملته أتيت منزلك. رواه البخاري “رياض الصالحين ص 563، 565″، فظاهر الحديث أنه دخل الجنة ولم يدخل منزله.

وثبت في البخاري وغيره أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل الجنة في ليلة المعراج “الزرقاني على المواهب اللدنية ج 6 ص 90” حيث قال كما رواه أبو ذر وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة “ثم أدخلت الجنة” ومعلوم أن الصحيح في الإسراء والمعراج أنهما كانا بالروح والجسد ولم يكونا منامًا، ليظهر امتياز الرسول علي غيره ممن يُسْرى بأرواحهم منامًا ويرَوْن العجائب، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ليلة المعراج كما ذكره أنس ورواه البخاري ومسلم: “بينما أنا أسير في الجنة” “المرجع السابق ص 91”
فالخلاصة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل الجنة ليلة المعراج بروحه وبجسده على الصحيح، كما دخلها في الرؤيا المنامية ورؤيا الأنبياء حق. وذلك فضلٌّ كرَّم الله به رسوله، ونرجو أن نَنْعَم بدخولها معه بعد الحساب، وذلك عن طريق الإيمان والعمل الصالح، والأمل في رحمة الله وفضله.