في مقالة للشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله- خلاصتها أنه ليس في القرآن تناقض، وليس بين آياته تضارب، فهو كلام الله عز وجل، لكن كلام الله يحتاج إلى تدبر وتبصر حتى يفهم على وجهه، فهو ليس مقالة عادية يستظهرها الناس يمجرد قراءتها.
أما عن هذه الشبهة فالجواب عنها هو أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام لاريب، وعلى هذا تضافرت آيات القرآن، أما سورة فصلت فقد أثبتت أن خلق الأرض كان في يومين، وأن خلق ما فيها كان في يومين، فيكون مجموع أيام خلق الأرض وما فيها أربعة أيام، وهذا هو المراد بالأيام بالأربعة.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي:-
خلق السماوات والأرض .. شيء هو من صنع الله سبحانه وتعالى حينما يتحدث عنه في القرآن الكريم فهو يتحدث عن شيء لا يعلمه إلا الله .. ماذا قال المستشرقون .. ؟ قالوا : إن القرآن الكريم قال في عدة سور .. إن الأرض والسماوات خلقتا في ستة أيام .. وفي سورة فصلت : أن أيام الخلق ثمانية .. وقالوا أنها هفوة بشرية .. ونسيان .
رجوا من ذلك بأن قائل هذا الكلام هو محمد ﷺ .. وهذا هو هدفهم .
تعالوا نناقش ماذا قال القرآن الكريم في سورة الأعراف : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وقال في سورة يونس : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي سورة الفرقان : (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) .. إذن أجمعت كل هذه الآيات على أن خلق السماوات والأرض وما بينهما تم في ستة أيام .. لا خلاف في ذلك ولا جدال ..
فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى سورة فصلت .. حيث فصل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض يأتي في الآية التي تقول : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا) سورة فصلت .
إذا أحصينا عدد الأيام في السورة الكريمة .. نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول: إنه خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها .. وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام .. ثم استوى إلى السماء .. ثم يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا) . إذا أحصينا أيام الخلق في سورة فصلت نجد أنها ثمانية يومان لخلق الأرض .. وأربعة أيام قدر فيها رزقها وبارك فيها .. أيام الخلق هذه ستة أيام .. يومان آخران للسماوات إذن فهي ثمانية أيام.
يأتي هنا المستشرقون ليقولوا إن القرآن الكريم تناقض مع نفسه .. وأنه يقول في عدة آيات إن خلق السماوات والأرض في ستة أيام .. ثم يأتي ليقول إن الخلق تم في ثمانية أيام .. ويضيفون أن هذه غفلة لأن قائله بشر.
ولو أننا دققنا في الآية الكريمة التي يجادلون فيها لوجدنا بدايتها تختلف عن الآيات السابقة فالله سبحانه وتعالى يقول : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ومن هنا بدأت الآية بمخاطبة الكافرين الذين يجعلون لله أندادا .. ويجادلون فيه أي أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخبرنا أن الذي يستخدم هذه الآية الكريمة في التشكيك في القرآن الكريم هم أولئك الكافرون الذين يريدون أن ينشروا ويذيعوا الكفر بين الناس .. ويريدون أن يجعلوا لله أندادا .. وهم في الحالتين غير مؤمنين يحاربون الله … ويحاربون دينه ..
إن بداية هذه الآية معجزة .. لأن الذين يجادلون فيها .. هم أولئك الذين يحاربون هذا الدين .. ويكفرون بالله ويحاولون التشكيك .. فيكون الله سبحانه وتعالى قال في هذه الآية الكريمة ( وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا) وقال : ( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) كأنما هو يخاطب هنا أولئك الذين سيأتون بعد قرون عديدة ليشككوا في القرآن الكريم مستخدمين هذه الآية بالذات في محاولة التشكيك .
ونحن نقول لهم: إن من يقول هذا الكلام .. إما أن يكون متعمدا أو غافلا من مدلولات النص , فالله سبحانه وتعالى يقول : (أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ثم يقول سبحانه وتعالى : ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا(>
إذن الله سبحانه وتعالى يتحدث هنا عن إتمام خلق الأرض .. هو يعطينا تفصيل الخلق .. فيقول خلق الأرض في يومين .. ثم يتم بعد ذلك الحديث عن الخلق فيقول .. ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) مادام الحديث تتمة لنفس الشيء الذي بدأ الكلام عنه .. وهو الأرض .. أي أن الله سبحانه وتعالى لم ينتقل إلى الحديث عن السماوات .. وإنما هو يفصل كيفية خلق الأرض .. فهو يتم لنا زمن خلق الأرض .. فهو يقول : إنني خلقت الأرض في يومين .. ثم أتممت خلقها في أربعة أيام .. إذن فمدة الخلق , كلها بالنسبة للأرض هي أربعة أيام .. وليست ستة .
الله سبحانه وتعالى يتحدث عن خلق الأرض .. فهو يقول سبحانه وتعالى .. إنني خلقت الأرض في يومين .. ثم أتممت عملية الخلق بأن جعلت فيها رواسي من فوقها .. وباركت فيها أقواتها في أربعة أيام .. كأن الأيام الأربعة هي كل الفترة التي استغرقتها عملية خلق الأرض .. منها يومان لخلق الأرض … ويومان لإتمام الخلق بأن جعل لها الله سبحانه وتعالى رواسي من فوقها .. وبارك فيها أقواتها .. المدة كلها هي أربعة أيام .. وليست ستة أيام .
الله سبحانه وتعالى أراد أن يفسر لنا أنه خلق الأرض في يومين ثم أتم خلقها بكل ما فيها من أقوات ورواسي بما في ذلك خلق الأرض نفسها أربعة أيام .. فكأن اليومين الأولين جزء من الأيام الأربعة التي استغرقها خلق الأرض ..
وهكذا نجد أن التناقض وهمي .. وأن المستشرقين أرادوا أن يستغلوا عملية تفصيل الخلق التي أوردها الله في سورة فصلت ليشككوا في القرآن .. وكان الله عليما قبل أن يشككوا.
فتبدأ الآية الكريمة بقوله : (أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا) بدأها بهذا الكلام ليقول لنا من هم الذين سيجادلون في هذه الآية وينشرونها بالطريقة التي تهواها أنفسهم للإضلال عن سبيل الله .