الشراب المكوَّن من التمر والزبيب إذا أسكر حرم قولا واحدا، وإنما اختلف العلماء في الشراب المكون من الزبيب والتمر، ولم يسكر، ويتأتي هذا بخلطه عند الشرب، أو خلطهما مدة يسيرة، ولم يبلغ الشراب درجة الإسكار بعد، فذهب المالكية إلى تحريم شربه، والشافعية على الكراهية، وكذلك الحنابلة، وشذ الحنفية فقالوا بالإباحة مطلقا، وقد رفض العلماء ما ذهب إليه الحنفية لصراحة النصوص في ذلك.
ومستند النهي عن خلط التمر بالزبيب في الشراب ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن جَابِرٍ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ، وَالْبُسْرُ[1] وَالتَّمْرُ”.
وسبب النهي هو أن السكر يسرع إلي هذا الأشربة أكثر من غيرها، وهذا الشراب لو أسكر لحرم قولا واحدا؛ لأنَّ مناط التحريم هو السكر فإذا وجد السكر في شراب أو طعام حرِّم، وما أسكر كثيره حُرِّم قليله.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ذهب المالكية إلى تحريم الخليطين من الأشياء التي من شأنها أن تقبل الانتباذ[2]، كالبسر والرطب، والتمر والزبيب ولو لم يشتدا؛ [3] لأنَّ الرسول ﷺ { نهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا }. والنهي يقتضي التحريم، إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى غير ذلك كالكراهة. أي: أخذا بظاهر هذا الحديث وغيره يحرم الخليطان، وإن لم يكن الشراب منهما مسكرا سدا للذرائع.
وقال الشافعية : يكره من غير المسكر: المنصف، وهو ما يعمل من تمر ورطب، والخليط : وهو ما يعمل من بسر ورطب، لأنَّ الإسكار يسرع إلى ذلك بسبب الخلط قبل أن يتغير، فيظن الشارب أنه ليس بمسكر، ويكون مسكرا، فإن أمن سكره ولم تكن فيه شدة مطربة فيحل.
وقال الحنابلة: يكره الخليطان، وهو أن ينبذ في الماء شيئان؛ لأنَّ النبي ﷺ نهى عن الخليطين وعن أحمد: الخليطان حرام، قال القاضي : يعني أحمد بقوله:” هو حرام . إذا اشتد وأسكر، وهذا هو الصحيح إن شاء الله، وإنما نهى النبي ﷺ لعلة إسراعه إلى السكر المحرم، فإذا لم يوجد لم يثبت التحريم.أهـ
وجاء في شرح النووي على صحيح مسلم:
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : سبب الكراهة فيه أنَّ الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرا، ويكون مسكرا، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه، ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرا، وبهذا قال جماهير العلماء.
وقال بعض المالكية : هو حرام، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنه : لا كراهة فيه، ولا بأس به ؛ لأن ما حلَّ مفردا حلَّ مخلوطا، وأنكر عليه الجمهور، وقالوا: منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراما كان مكروهاً.
واختلف أصحاب مالك في أنَّ النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره؟ والأصح التعميم، وأما خلطهما في الانتباذ بل في معجون وغيره فلا بأس به.
وجاء في المغني لابن قدامة المقدسي:
يكره الخليطان، وهو أن ينبذ في الماء شيئان ;{ لأن النبي ﷺ نهى عن الخليطين }، وقال أحمد : الخليطان حرام.
وقال في الرجل ينقع الزبيب، والتمر الهندي، والعناب ونحوه، ينقعه غدوة، ويشربه عشية للدواء : أكرهه; لأنه نبيذ، ولكن يطبخه ويشربه على المكان. وقد روى أبو داود بإسناده عن رسول الله ﷺ أنه { نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا، ونهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا. }
وفي رواية : وانتبذ كل واحد على حدة “. وعن أبي قتادة، قال { نهى النبي ﷺ أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، ولينبذ كل واحد منهما على حدة }. متفق عليه قال القاضي : يعني أحمد بقوله : هو حرام. إذا اشتد وأسكر، وإذا لم يسكر لم يحرم. وهذا هو الصحيح – إن شاء الله تعالى – وإنما نهى النبي ﷺ لعلة إسراعه إلى السكر المحرم، فإذا لم يوجد، لم يثبت التحريم، كما أنه عليه السلام نهى عن الانتباذ في الأوعية المذكورة لهذه العلة، ثم أمرهم بالشرب فيها، ما لم توجد حقيقة الإسكار، وقد دل على صحة هذا ما روي عن عائشة، قالت:{ كنا ننبذ لرسول الله ﷺ، فنأخذ قبضة من تمر، وقبضة من زبيب، فنطرحها فيه، ثم نصب عليها الماء، فننبذه غدوة، فيشربه عشية، وننبذه عشية، فيشربه غدوة. } رواه ابن ماجه، وأبو داود. فلما كانت مدة الانتباذ قريبة، وهي يوم وليلة، لا يتوهم الإسكار فيها لم يكره، ولو كان مكروها لما فعل هذا في بيت النبي ﷺ له. فعلى هذا، لا يكره ما كان في المدة اليسيرة، ويكره ما كان في مدة يحتمل إفضاؤه إلى الإسكار، ولا يثبت التحريم ما لم يغل، أو تمضي عليه ثلاثة أيام.
[1] البسر هوالتمر قبل أَن يُرْطِبَ لِغَضاضَتِه واحدته بُسْرَة، وأَوَّل التمر طَلْعٌ، ثم خَلالٌ، ثم بَلَحٌ، ثم بُسْر، ثم رُطَب، ثم تَمْر (لسان العرب)
[2] أي: تكون نبيذا، يقال: نبذت التمر والعنب إِذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً وانتبذته اتخذته نبيذاً وسواء كان مسكراً أَو غير مسكر فإِنه يقال له نبيذ. (لسان العرب)
[3] أي: إذا تغير حاله واقترب من درجة التخمر المحرمة.