لا ينكر أحد أننا قد نتفق على أن شخصا ما متدين ومهذب، ولكننا قد نختلف في مصاحبته ومصادقته، ومرد ذلك إلى طبيعة الأرواح، فالأرواح جنود مجندة…. ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

و ديننا الحنيف لا يفرض على اثنين من المسلمين أن يتصادقا إذا كان بينهما تباعد في الصفات، وتناكر في الأرواح، ولكنه يفرض عليهما آثار الأخوة من أن تسلم صدورهما تجاه بعضهما وغير ذلك من آثار الأخوة التي لا تستلزم الصداقة، فالصداقة شيء آخر.

هل تجب المحبة بين الناس على اختلاف أطباعهم؟

يقرر رسولنا تلك الحقيقة فيقول: “الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اُخْتَلَفَ” .
يقول الإمام المناوي في شرح هذا الحديث:-
الأرواح التي تقوم بها الأجساد جنود مجندة: أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة، فما تعارف- أي توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق- منها ائتلف- أي ألف قلبه قلب الآخر، وما تناكر منها- أي لم يتوافق ولم يتناسب- اختلف – أي نافر قلبه قلب الآخر- وإن تقاربا جسداً فالائتلاف والاختلاف للقلوب .انتهى .

فإذا كان ديننا لم يفرض الصداقة على من تناكرت قلوبهما فكيف يفرض الزواج على من تناكرت قلوبهما وأمزجتهما وطبائعهما؟ !!!!

هل للقبول النفسي علاقة في اختيار الزواج؟

إن للقبول النفسي دخلا أي دخل في اختيار الزواج، نسوق ما يؤكد هذه الحقيقة :-
1 – حدث في عصر النبي أن:عبدا اسمه مغيث تزوج أمة اسمها بريرة، وكانا عبدين، فأنعم الله على بريرة فأعتقت في حين بقي مغيث على عبوديته، فما إن حصلت بريرة على العتق إلا وبادرت بالتمسك بفسخ نكاحها من مغيث لا لشيء في صلاحه وتقواه، ولكن لأنها لا تحبه، فجعل النبي يشفع له عندها فتأبى، ولم يخفها: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”.

وهذا نص هذه القصة كما رواها البخاري من حديث عبدالله بن عباس :-
(عن ابن عباس:أن زوج بريرة عبد أسود يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي لعباس )يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا). فقال النبي : (لو راجعته). قالت يا رسول الله تأمرني؟ قال: (إنما أنا أشفع). قالت: لا حاجة لي فيه.

2 – حدث أن السيدة أم سلمة لما مات زوجها خطبها رسول الله فاعتذرت عن القبول لثلاثة أسباب لا دخل لها بمسألة الخلق والدين قطعا، فرسول الله أكمل الناس خلقا ودينا، فدل ذلك على أن هناك مقاييس أخرى لا مانع من اعتبارها، وهذه القصة كما ذكرها الإمام أحمد في مسنده:-

(عن أم سلمة قالت: – أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله فقال لقد سمعت من رسول الله قولا فسررت به قال لا تصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به قالت أم سلمة فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منه ثم رجعت إلى نفسي فقلت من أين لي خير من أبي سلمة فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله وأنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ما بي أن لا تكون بك الرغبة في، ولكني إمرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به وأنا إمرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل منك وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي قالت فقد سلمت لرسول الله فتزوجها رسول الله فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله ).

فدلت هذه الأحاديث على أن المرأة يمكنها أن ترفض من تقدم إليها إذا لم تشعر ناحيته بعاطفة فياضة من الحب .

غير أننا نخشى أن يكون رفض الفتاة للخاطب بسبب أنه لا يسمعها كلمات الحب والعشق، ولا يملأ أذنيها بما تحب أن تسمع الفتاة ، ولا يشبع تلك العاطفة الكامنة بين جنبيها…… فإن كان الأمر كذلك فلتعلم الفتاة أن هذا لا يدل على جفاف مشاعره، ولا يدل على أنه لا يفهم لغة النساء، ولا يدل على أنه لا يملك عاطفة سيالة ونفسا تواقة، ولا يدل على أنه لا يعرف الغزل والتشبيب .

ولكنه يدل على أنه شاب وقاف عند حدود الله تعالى، يمنع نفسه مما منعه الله منه، ويأمرها بما أمره الله به، فليست الخطبة وقتا صالحا لمثل هذا… فتبصري.