خصوصيات سيدنا محمد ـ ﷺ ـ وكذلك سائر الأنبياء أمر تقتضيه طبيعة مُهِمتهم، فالقادة والزعماء والحُكام في كلِّ مُجْتَمع وفي كلِّ عصر لهم مميزات ليست لغيرهم، وهذه المُميزات ليست كُلُّها تيسيرًا أو زيادة في التمتع بطَيِّبات الحياة، بل منها ما هو شديد يفرض سلوكًا مُعينًا فيه مُعاناة نفسية في مقابل التكريم والتشريف الذي رَفَعَ الله به منازلهم على غيرهم من عامَّة الناس، فالشيء الغالي والثمين يُبْذَل في الحصول عليه أكبر مما يُبْذَل في غيره، فمن طلب الحسناء لم يغله المهر، ولابد دون الشهد من إبر النَّحل.
ويكفي في الاستدلال على ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُم الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (التوبة : 111) وقول النبي ـ ﷺ ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ “أفلا أكونُ عَبدًا شَكُورا” عندما وَجَدَتْه يقوم الليل حتى تَوَرَّمَتْ قدماه مع أن الله قد غَفَرَ له ما تقدَّم من ذنبه. رواه البخاري ومسلم.
ومعرفة خصوصيات النبي ـ ﷺ ـ قال بعض العلماء لا فائدة فيها “الزرقاني على المواهب ج 5 ص 206” لكن النووي قال: إنَّ معرفتها جائزة بل مُسْتَحبة بل قد تكون واجبة؛ لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا في الحديث الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التَّأسي والاقتداء، فوجب بيانها لتُعرف فلا يُعْمَل بها، وقد تكون هناك خصائص لا حاجة لمعرفتها في السلوك، ولكن مجرد المعرفة لا يخلو من فائدة.
وقد وردت أحاديث كثيرة نصَّ فيها على بعض الخُصوصيات. وهي كثيرة حاول بعض المُؤلفين حَصْرها كابن سبع والنووي وابن المُلقن وغيرهم وقام القسطلاني في المواهب بجَعْلِهَا في مجموعات أربعة: الأولى في الواجبات والثانية في المُحَرَّمَات والثالثة في المُباحات والرابعة في الفضائل والكرامات.
فمن الواجبات التي تتناسب مع قُدرته ويَعْظُم بها أجره والتي اختلف في وجوبها بعض العلماء، صلاة الضُّحى والوتر وركعتي الفجر وصلاة الليل والسِّواك والأضْحية والمشاورة ومصابرة العدو وتغيير المُنكر في كل الأحوال، وقضاء الدَّيْن عمن مات مسلمًا مُعْسِرًا، وتخيير نسائه في فِراقه أو البقاء معه، وإمساكهن بعد اختيارهن له وعدم التبدُّل بهن مُكافأة لهن.
ومما اختص به من المُحَرَّمَات: تحريم الزكاة والصَّدقة عليه، وتحريم أَكْل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل لتوقُّع مجئ الملائكة والوحي له، وتحريم الكتابة والشعر أي التوصل إليهما، وتحريم نزع لأْمَته ـ عدة الحرب ـ إذا لبسها حتى يُقاتل ، والمَنُّ لِيَسْتَكْثِر أي إعطاء شيء طالبًا أكثر منه، ومَدُّ الأعين لما مَتَّعَ الله به الناس، ونِكَاح مَنْ لَمْ تُهَاِجر إلى المدينة، وتحريم إمساك من كرهته، ونِكاح الكتابية؛ لأن زوجاته أمهات المؤمنين وزوجات له في الآخرة ومعه في درجته في الجنة، وكذلك نِكاح الأَمَة المُسْلِمة بخلاف التسري بها فهو حلال.
ومما اختص به من المُباحات وإن لم يفعل أكثرها: عدم نَقْض وضوئه بالنوم ، وعدم نَقْضه بلمْس المرأة الأجنبية على الأصح، وإباحة الصلاة بعد العصر، والصلاة على المَيت الغائب عند بعض الأئمة، وتقبيل زوجاته في الصيام، وجواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما في قصة أم حِرام بنت ملحان، ونِكاح أكثر من أربع نسوة، والنِّكاح بلفظ الهِبة من جهة المرأة، والنِّكاح في حال الإحرام، والنِّكاح بلا ولي ولا شهود كنكاحه لزينب بنت جحش ـ والقتال بمكة ودخولها من غير إحرام، والقضاء بعِلْمِه دون حاجة إلى شهود.
وأما ما اختص به ـ ﷺ ـ من الفضائل والكرامات فكثير جدًا لا يتسع لبعضه المقام ويمكن الاطلاع على المواهب اللدنية للقسطلاني مع شرح الزرقاني “ج 5 ص 242” لتعرف الأدلة على الخصوصيات كلِّها وما كان منها مَحل اتفاق وما كان مَحل اختلاف.