اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في إيجاب الغسل على من خرج منه المني بعد الاغتسال على أقوال ترجع في مجملها إلى قولين:
الأول: يجب عليه الغسل إن كان الزمان قريباً، وإن طال فلا يجب عليه.
وهو قول الشافعية ومن وافقهم، ودليلهم قوله ﷺ: “إنما الماء من الماء” رواه مسلم. وقوله لمن سألته هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: “نعم، إذا رأت الماء” متفق عليه.
قال النووي -رحمه الله- في المجموع: (ولم يفرق ﷺ، ولأنه نوع حدث فنقض مطلقاً كالبول والجماع وسائر الأحداث).
الثاني: لا يجب عليه الغسل ثانياً.
وهو قول الحنابلة ومن وافقهم، لما روى سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال يتوضأ. وكذا ذكره أحمد عن علي رضي الله عنه. ولأنه مني واحد فأوجب غسلاً واحداً، كما لو خرج دفقة واحدة، ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد.
وقال الإمام أحمد: لأن الشهوة ماضية، وإنما هو حدث، أرجو أن يجزئه الوضوء.
وبناء على ما سبق فالأمر فيه سعة فإن وجد مشقة في إعادة الغسل فيكفي الوضوء ولا داعي لإعادة الغسل، فالخلاف في المسألة خلاف قوي ومعتبر فمن أخذ بأي من الرأيين السابقين فهو على صواب.
والراجح الذي تؤيده الأدلة أن المني مرتبط بالشهوة فطالما أن المني لم يخرج بشهوة فلا يجب منه الغسل.
قال ابن قدامة في كتابه المغني- من كتب الحنابلة:-
فأما إن احتلم ، أو جامع ، فأمنى ، ثم اغتسل ، ثم خرج منه مني ، فالمشهور عن أحمد بن حنبل أنه لا غسل عليه ، قال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل، أنه ليس عليه إلا الوضوء ، بال أو لم يبل ، فعلى هذا استقر قوله . وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق .
وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة.
وفيه رواية ثانية عن الإمام أحمد : إن خرج بعد البول ، فلا غسل فيه ، وإن خرج قبله اغتسل . وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة ، ونقل ذلك عن الحسن ; لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة ، فأوجب الغسل كالأول وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة ، ولا نعلم أنه بقية الأول ; لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول . وقال القاضي: وهناك رواية ثالثة عن الإمام أحمد بن حنبل عليه الغسل بكل حال . وهو مذهب الشافعي ; لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث .
وقال في موضع آخر : لا غسل عليه . رواية واحدة ; لأنه جنابة واحدة ، فلم يجب به غسلان ، كما لو خرج دفعة واحدة . انتهى.
وسئل الشيخ ابن العثيمين عن المني الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة فأجاب :
هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى ، فلا يجب عليه الغسل منه ، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويُعيد الوضوء فقط . انتهى.
وقال الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله- في كتابه ( شرح زاد المستقنع):-
إذا اغْتَسَلَ لخروج المني ثُمَّ خرجَ مع الحركةِ، فإنَّه لا يُعِيدُ الغُسْلَ. والدَّليل:
1ـ أنَّ السَّببَ واحدٌ، فلا يوجِبُ غُسْلَين.
2ـ أنّه إذا خَرجَ بعد ذلك خَرَجَ بلا لذَّةٍ، ولا يَجِبُ الغُسْل إلا إذا خرج بلذَّةٍ.
لكنْ لَوْ خَرَجَ منيٌّ جديدٌ لشهوةٍ طارِئة فإنَّه يَجِبُ عليه الغُسْل بهذا السَّبب الثَّاني.انتهى.
وهو رأي الدكتور القرضاوي فإنه قال في كتابه فقه الطهارة:-
إذا احتلم الرجل أو احتلمت المرأة، ولم ينزل ماء، أو لم ير بللا يدل على ذلك: فلا غسل. فالمدار على البلل وجودا وعدما، وأن يعلم أن البلل هو مني وليس مذيا.
أما إذا نزل المني بغير شهوة، لمرض أو بَرْد، أو غير ذلك، فلا غسل عليه.