جاء في الحديث الذي رواه البخاري، وترجم له بقوله ” باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس “، وروى عن سهل بن سعد قال: لمَّا عَرَّس أبو أسَيْد الساعدي دعا رسول الله ـ ﷺ ـ وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بَلَّت تمرات في تَوَرٍ من حجارة بالليل، فلما فرغ النبي من طعامه ماثتْه له فسقته تُتْحفه[1] بذلك. والتَّوَر إناء يشرب فيه وقد يتوضأ منه ويُصنع من صُفْرٍ[2] أو حجارة، ومعنى ماثتْه: خَلَطَتْه بالماء.
يقول العلماء: هذه الحادثة إما أن تكون قد وقعت قبل فرض الحجاب أو بعد فرضه.
-فإن كانت قبل فرضه فلا يصح أن يُستدل بها على ما يدَّعيه بعض المتحمِّسين لتحرُّر المرأة واندماجها في المجتمع.
-وإن وقعت بعد فرضِ الحِجَاب ـ وهو لم يُفرض إلا بعد الهجرة بثلاث سنوات أو أربع أو خمس، فهل جاء في الحديث أن أم أسيد كانت كاشفةً لِمَا أمر الله بسَتره، تُسلَّم وتصافح المدعوين وتشاركهم الحديث وما يَتْبعه؟
إن من المقطوع به أن النبي ـ ﷺ ـ لا يقرُّها على ذلك مُطلقًا إذا حدث، ومن هنا تكون أم أسيْد قد التزمَت الحجاب الذي فرضَه الله سبحانه وتعالى. [3]
ونَقول: إنَّ خدْمة المرأة للرجال في حدود الحشمة الشرعية بكل مقوماتها القوليَّة والفعليَّة، بل ومشاركتها لهم في تناول الطعام غير ممنوع.
وجاء في موطأ الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ أن المرأة يُباح لها أن تأكل مع الرجال. ويقول ابن القطان بِناء على هذا: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي، إذ لا يُتصور الأكل إلا هكذا ، وإذا قال القرطبي في تفسيره ” ج9 ص 68
” في الحديث: إنه لا بأس أن يَعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ويَستخدمها لهم ـ فلا بد من الحذَر في فهم هذا الكلام حتى لا يَتَعارض مع مقرَّرات الشرع ـ وقد قال بعد ذلك ويُحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب.
إن مثل هذا النص لا يجوز أبدًا أن يُتَّخذ منْطلقًا للإباحة للمرأة أن تُجالس أصدقاء الزوج على النحو المعروف الآن، ولا بد لأي نص ديني أن يؤخذ مع النصوص الأخرى التي توضِّحه بالأساليب المعروفة، منعًا لسوء الاستغلال، وعدم الاندفاع في تيار التقليد العصري الذي يَخْلُق مشكلات وأخطار يعرفها الجميع.
[1] جاء في فتح الباري لابن حجر : أَيْ: مَرَسَتْهُ بِيَدِهَا ، يُقَال مَاثَهُ يَمُوثهُ وَيَمِيثهُ بِالْوَاوِ وَبِالْيَاءِ وَقَالَ الْخَلِيل : مَثَّتْ الْمِلْح فِي الْمَاء مَيْثًا أَذَبْته وَقَدْ اِنْمَاثَ هُوَ ا هـ ، وَقَدْ أَثْبَت الْهَرَوِيُّ اللُّغَتَيْنِ مَاثَهُ وَأَمَاثَهُ، ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا .
[2] الصفر هو النحاس الجيد، وقيل ضرب من النحاس وقيل هو ما صفر منه واحدته صُفْرة. ينظر لسان العرب مادة صفر.
[3] قال ابن حجر في فتح الباري: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ عِنْد أَمْن الْفِتْنَة وَمُرَاعَاة مَا يَجِب عَلَيْهَا مِنْ السِّتْر ، وَجَوَاز اِسْتِخْدَام الرَّجُل اِمْرَأَته فِي مِثْل ذَلِكَ. أهـ