للإفتاء في الإسلام مكانته وأهميته، بوصفه بياناً لحكم الله في أمور الدين والدنيا، ولهذا كان أهل الفتوى يتحرجون كل التحرج عند استفتائهم مخافة تبعات الفتوى الثقيلة .
فالفتوى مهمتها عظيمة، ومسؤوليتها خطيرة، وعبئها ثقيل، ويكفي الذين يجترئون عليها دون علم أو تروّ قول النبي ﷺ: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار [ الدارمي 1/57].
ومـن هنا كان الصحابة والتابعون لا يسارعون في الفتيا بل يتدافعونها ، ولقد أثر عـن عبد الرحمن ابـن أبي ليلى قوله: ” أدركت عشرين ومـائة مـن الأنصار من أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يُسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول “.
جاء في فتاوى قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية ـ وزارة الأوقاف الكويتية :
إن خطورة الفتوى والخوض في الأحكام الشرعية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وما يترتب على ذلك من الآثار، يستدعي ذلك كله الرجوع إلى ذوي الاختصاص الشرعي والكفاءة العلمية، الذين يتحملون أمانة الفتوى ، ويقدرونها حق قدرها وذلك للاعتبارات الآتية:
ـ اختلاف أعراف الناس واختلاف مصالحهم وتعدُّد حاجاتهم، وتغيُّرها عبر الزمان والمكان.
ـ النظر في اختلاف المذاهب الفقهية، وتعُّدد الآراء العلمية، وكون بعضها أنسب للمجتمع، وأصلح للتطبيق في مكان أو زمان معين.. من غيره من المذاهب الأخرى.
ـ انطباق الحكم على الواقعة بذاتها أو عدم انطباقه، وذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية بخصوصها ، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة، تتناول أعداداً لا تنحصر من الوقائع، ولكل واقعة معينة خصوصية ليست في غيرها.
ـ إن ولي الأمر في بلد ما، هو الأقدر على معرفة الأمور التي تحقق المصلحة العامة، و لا يترتب عليها الضرر والبلبلة والفتنة، كما أنه يستطيع حسم الخلاف الفقهي ورفعه بموجب صلاحياته الشرعية.
وعلى هذا فلا يجوز حمل الناس على رأي من آراء الفقهاء في مسألة مختلف فيها مادام هناك اجتهاد معتبر ، كما لا يجوز الإنكار على من يأخذ بغير ذلك الرأي ، لأن من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يكون المنهي عنه مختلفا فيه بين الفقهاء لما في ذلك من التضييق على الناس فيما تعم به البلوى ، والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون كانوا يختلفون في الأحكام ، ولا يضلل بعضهم بعضاً ، ولا ينكر بعضهم على بعض ، كما يصلي بعضهم خلف بعض مع ذلك الاختلاف ، وفيه تحقيق سماحة الإسلام ويسره ، كما ثبت في الحديث الصحيح « إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ».
كما لا يجوز أن يتصدى للفتيا إلا من توفرت فيه أهليتها من سعة الاطلاع ومراعاة الإجماع والخلاف ومراعاة أعراف الناس التي لا تخالف نصاً شرعياً ولا إجماعاً فقهيا . هذا إذا كان يفتي متبعاً لآراء من تقدمه من الفقهاء .
أما إذا كان يفتي باجتهاده فلابد أن تتوفر فيه أهلية الاجتهاد المبينة في كتب أصول الفقه .