من قال أعاهد الله ثم حنث في عهده أو وعده لزمه كفارة يمين؛ لأنها من ألفاظ اليمين الصريحة عند الجمهور، والكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كما قال تعالى في كتابه( لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة 89) قال الحنفية:إذا قيل: عليّ عهد الله أو ذمة الله أو ميثاق الله لا أفعل كذا مثلا ، فهذه الصيغ من الأيمان ، لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيق الشيء أو نفيه ، قال تعالى : ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) -النحل 91 – فجعل العهد يمينا.

وقال الحنابلة وهو قول للمالكية: من صيغ اليمين الصريحة: علي عهد الله لا أفعل، أو لأفعلن كذا مثلا فتجب بالحنث كفارة إذا نوى اليمين، أو أطلق، فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التكاليف التي عهد بها الله تعالى إلى العباد لم تكن يمينا. وقال المالكية: إن قول القائل: أعاهد الله ليس بيمين على الأصح، لأن المعاهدة من صفات الإنسان لا من صفات الله . وقال الشافعية:من كنايات اليمين: علي عهد الله أو ميثاقه أو ذمته أو أمانته أو كفالته لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا ، فلا تكون يمينا إلا بالنية، لأنها تحتمل غير اليمين احتمالا ظاهرا .

أما قول الشخص: أشهد الله ويعلم الله، فليس بيمين، فإن كان كاذبا فعليه إثم الكذب. والواجب علي كل مسلم ألا يكثر الحلف ولو على الصدق حتى لايعتاد لسانه على ذلك فيستهين بالله تعالى وينتهك حرمة القسم ولذا قال الشافعي ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا، وذلك منه رضي الله عنه تعظيما لقوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف لأن هذا ليس من تعظيم الله فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم ولذلك قال تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين } أي كثير الحلف في الحق والباطل، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعظمون الحلف بالله تعالى أشد التعظيم حتى إن جبير بن مطعم رضي الله عنه افتدى يمينه بعشرة آلاف حين ادعى عليه رجل ذلك المقدار كاذبا ولم يقدر على إقامة البينة وطلب يمينه، ثم قال ورب الكعبة لو حلفت حلفت صادقا وإنما هو شيء افتديت به يميني.

وروى أبوداود عن أشعث بن قيس أنه قال اشتريت يميني مرة بسبعين ألفا من الدراهم أو الدنانير، وفي الدرر روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه ادعي عليه أربعون درهما فأعطى شيئا وافتدى يمينه بمال، فكانوا يفعلون هذا رضي الله عنهم مع أن الحلف بالله تعالى صادقا جائز بلا خلاف وقد صدر من نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كما قال والذي نفسي بيده والذي لا إله غيره وغير ذلك، ولكن الإكثار من الحلف مكروه كما تقدم عن الشافعي.