الحرير الذي وردت فيه النصوص هو الحرير الطبيعي المأخوذ من دودة القزِّ، أما الحرير الصناعيُّ فيشبهه في النعومة ولكن لا يأخذ حكمه، روى ابن ماجهَ عن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ أخذ حريرًا فجعله في يمينه وذهبًا فجعله في شماله ثم قال ” إن هذين حرام على ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لإناثهم” وقد تقدم بيان حكم الذهب، أما الحرير فجاء فيه إلى جانب ما ذكر ما رواه البخاريُّ ومسلم ” لا تَلبسوا الحرير، فإن مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا لم يَلبسه في الآخرة” وما رواه أيضًا ” إنما يَلبس الحرير مَنْ لا خَلاقَ له” ورَوَى البخاريُّ عن حذيفة: نَهَانَا رسول ـ ﷺ ـ أنْ نَشرب في آنيةِ الذهب والفضة، وأن نأكل فيهما، وعن لُبْسِ الحرير والدِّيباج وأن نجلس عليه.
ومحل الحرمة إذا لم تكن هناك ضرورة لِلُبْسِهِ، كَدَوَاءٍ من آفات أو حِكَّةٍ، فقد أَذِنَ الرسول ـ ﷺ ـ لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بذلك كما رواه البخاري ومسلم.
والسفاريني في كتابه “غذاء الألباب” بين الأشياء التي يُباح استعمال الحرير فيها، ومذاهب الفقهاء بخصوصها، مثل كيس المصحف وأطراف الثوب والأزرار وما إليها بما لا يَزيد على أربع أصابع كما رواه مسلم. جاء في “ج2 ص 157” من غذاء الألباب : يَحْرُمُ لبسه وافتراشه والاتكاء عليه وتَوسُّدُه وتَعليقُهُ وسَتْرُ الْجُدُرِ به غير الكعبة المشرفة، كما تَحْرُمُ التكة وخيط السبحة، وذَكَرَ الدميري الشافعي في شرح المنهاج أنه يجوز حَشْو الجُبَّة والمخدة من الحرير والجلوس عليه إذا بُسِطَ فوقه ثوب، ويَحِلُّ خيط السبحة، وتحرم بطانة الجبَّة من الحرير، وفي لبس الصبيان له رأيانِ، والمحرَّمُ من الحرير هو الخالص أما المخلوط فَيَحرم إذا كان الحرير غالبًا في الوزن أو المظهر، وجاء فيه أن أول مَنْ لَبِسَ الحرير قوم لوط كما ذكره السيوطي في كتابه ” الأوائل” وأن أول من استخرجه من الديدان وتعلمه من الجِنِّ هو “جمشيد” وكان في أول أمره مَلِكًا عادلًا ثم طَغَي فسُلب مُلْكه وهرب إلى الهند ومات مجوسيًا قتله الضحاك من ملوك اليمن.
وذكر السيوطي أن أول اتخاذ الرجال الحرير في هذه الأمة في خلافة عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ الذي سمع الرسول ـ ﷺ ـ يقول ” أوشك أنْ تَسْتَحِلَّ أمتي فروج النساء والحرير”، وهَذَا أوَّل حرير رأيته على المسلمين، وقد أخرج البخاري تعليقًا، وأبو داود والنسائي قول النبي ـ ﷺ ـ ” لَيكونَنَّ من أمتي يَستحلون الحِرَّ والحرير ” ـ بكسر الحاء ـ فرج المرأة.
وذكر كلامًا كثيرًا عن صناعة الحرير والاتجار فيه والتَّرَفُّهِ به والصلاة فيه وغير ذلك من المسائل يُمكن الرجوع إليها في هذا الكتاب، وهو “غذاء الألباب” للسفاريني الحنبليِّ المتوفى سنة 1188 هجرية من صفحة (157ـ172 ) من الجزء الأول وفيه معلومات طيبة.
ونرى أنَّ لبْسَ الحرير الصناعي الذي يُقارب في مادَّته أو هَيْئَته الحرير الطبيعي لا يَليق بالرِّجال، وإذا قُصدتْ به المباهاة كان حرامًا من أجل ذلك.