ما حكم إدعاء معرفة الغيب والكهانة؟
وجاء هذا الحكم شديدا؛لأن الكاهن ينازع الله تعالى فيما اختص به.
وصرحت الأحاديث بأن من أتى عرافا فلم يصدقه فإن صلاته لا تقبل أربعين يوما، وأما من صدق أنه يعرف الغيب فقد كفر.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :-
روى أحمد وأصحاب السنَن عن أبي هريرة مرفوعًا: “مَنْ أَتَى كاهِنًا، فصَدَّقَه بما يقولُه، أو أتى امرأة حائضًا، أو أتى امرأة في دُبُرِها، فقد بَرِئَ ممَّا أُنْزِل على محمد. (رواه أحمد: 4 / 408، 476، وأبو داود في الطب “3904”، والترمذي في الطهارة “135”، وابن ماجة في الطهارة “639”، ونسبه المنذري للنسائي ـ أيضًا. وذكره في صحيح الجامع الصغير منسوبًا إليهم”5942″).
وروى أحمد والحاكم عنه مرفوعًا ـ أيضًاـ: “ومَنْ أَتَى عَرَّافًا أو كاهِنًا، فصَدَّقَه بما يَقُول، فقد كَفَر بما أُنْزِل على محمد”. (رواه أحمد: 4 / 429، والحاكم في الإيمان، وصحَّحه على شرْط الشيخَيْن ووافقَه الذهبي: 1 / 7، 8).
ورَوَى أحمد ومسلم عن بعض أمهات المؤمنين، وسَمَّاها بعض الرواة: “حفصة”: أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “مَنْ أَتَى عَرَّافًا فسَأله عن شيء، لم تُقْبَل له صلاة أربعين ليلة” (رواه مسلم في كتاب السلام. حديث “2230”، ورواه أحمد: 5 / 380).
وأي خُسارة أكبر من عدَم قَبول الصلاة، وهي عمود الإسلام، والصِّلَة اليومية بين العبد وربه؟
وعن ابن مسعود موقوفًا: “مَنْ أتَى عَرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا، فسأَلَه، فَصَدَّقَه بما يقول، فقد كَفَر بما أُنْزِل على محمد ـ ﷺ ـ “.(قال المنذري: رواه البزار وأبو يعلى وجوَّد إسناده في الترغيب. انظر كتابنا: “المنتقى: 1857″، وقال الهيثمي في المجمع “5 / 118”: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، خلا هبيرة بن يريم، وهو ثقة).
ومِثْل هذا لا يُقال بالرأي، فهو في حُكْم المرفوع المَرْوِي مِنْ قبلُ عن أبي هريرة، وهو وَعِيد مُخِيفٌ لمَنْ يَذْهَبُ إلى هؤلاء الدجَّالين، فإن كان يَعْتَقِد أنهم فعلاً يَعْلَمُون الغيب، ويَخْتَرِقون حُجُبَه، فقد دخل في الكفر الأكبر الصريح، المُخالِف مخالفة قَطْعِيَّة للقرآن والسنة، وإلا فقد وقَع في كبيرة من الكبائر التي تَجُرُّ إلى الكفر والعياذ بالله.
موقف الإسلام من الكاهن أو العراف:
ورواه الطبراني من حديث ابن عباس دون قوله: “ومن أتى… إلى آخره” بإسناد حسن، كما قال المنذري في الترغيب والترهيب.
وروى البزار كذلك عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ ﷺ ـ قال: “مَنْ أتَى كاهِنًا فصدَّقَه بما قال، فقد كفر بما أُنْزِل على محمد ـ ﷺ ـ”. (قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيد قَوِي. المنتقى: 1854″، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، خلا عقبة بن سنان، وهو ضعيف”5 / 117″، وتَعَقَّبَه الألباني في غاية المَرام، وانتهى إلى أن الحديث في مَتْنِه صحيح، فقد جاء من ثلاث طرُق عن أبي هريرة خَرَّجَها في الإرواء).
ورَوَى الطبراني عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ: “لَنْ يَنال الدَّرَجات العُلَى مَنْ تَكَهَّن، أو اسْتَقْسَم، أو رجع من سَفَرِه تَطَيُّرًا” (قال المنذري: رواه الطبراني بإسنادَيْنِ، رواة أحدهما ثِقات، وكذا قال الهيثمي “5 / 118″، وجَوَّد إسناده الألباني في غاية المَرام برقم”286”).
ومعنى “استقسم”: أي: استقسم بالأزلام ونحوها، وفي القرآن: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) (المائدة: 3).
والتَّطَيُّر: التشاؤم، وهو شيء لا يَنْبَنِي على مَنْطِق ولا قاعدة، كالذين يَتَشَاءمون ببعض الأرقام مثل رقم (13)، أو بعض الأيام، أو بغير ذلك.
وعن قطن بن قبيصة عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال: سَمِعْتُ رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “العِيافة والطِّيَرة والطَّرْق من الجِبْت” (رواه أبو داود في الطب “3907”، ورواه أحمد ـ أيضًاـ: 3 / 477، والنسائي في التفسير، كما في التحفة: 8 / 275، والطبراني: 18 / 941ـ 943، وابن حبان “الإحسان: 6131″، والبيهقي : 8 / 139، وفي سنده حبان بن المخارق أبو العلاء، ويُقال: ابن العلاء لم يُوَثِّقْه غير ابن حبان).
قال أبو داود: الطرْق: الزجر، والعِيافة: الخَطُّ (يعنى الخط بالرمل).
وقال ابن فارس: الطرْق: الضرْب بالحَصَى، وهو جنس من التَّكَهُّن.
وقال لَبِيد:
لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الطوارقُ بالحَصى ولا زَاجِراتُ الطيرِ ما الله صانعُ!
و “الجبت” ـ بكسر الجيم ـ: كلُّ ما عُبِد من دون الله ـ تعالى ـ وقيل : كلمة تَقَع على الصنَم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
لماذا كانت الكهانة كفرا بما أنزل على محمد؟
يقول ـ تعالى ـ في كتابه العزيز: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السماواتِ والأرضِ الغَيْبَ إلِا اللهُ)(النمل: 65).(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: 59). وقال لرسوله: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نفعًا ولا ضَرًّا إلا مَا شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاْسْتَكْثَرْتُ منَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 188). وقال: (عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (الجن: 26 ـ 27).
وروَى ابن عمر عنه ـ ﷺ ـ: ” مَفاتيح الغيبِ خَمْس لا يَعْلَمُهَا إلا الله ـ تعالى ـ: لا يَعْلَم أحد ما يكون في غَدٍ إلا الله ـ تعالى ـ ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله ـ تعالى ـ ولا يَعْلَم متَى تقوم الساعة إلا الله ـ تعالى ـ ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ـ تعالى ـ ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله ـ تعالى”. (رواه أحمد والبخاري، كما في صحيح الجامع الصغير “5884”).
وفي رواية عنه: “أُوتِيتُ مَفاتِيحَ كلِّ شيء إلا الخَمْس: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (رواه أحمد: 2 / 85، 86، والآية خُتِمَتْ بها سورة لقمان: 34).
وعن بريدة مرفوعًا: “خمس لا يَعْلَمَهُنَّ إلا اللُه: (إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ… )..إلى آخر الآية الأخيرة من سورة لقمان. (رواه أحمد والرويانى عن بريدة، كما في صحيح الجامع الصغير “3255”).
وقد صحَّ من حديث جبريل المشهور: أن جبريل سأل النبي ـ ﷺ ـ عن الساعة، فقال: “ما المسؤول عنها بأعْلَم من السائل، ولكني سأخبِرُك بأشراطِها”.
وفي رواية أبي هريرة في “الصحيحَيْنِ”: “في خمس لا يعلمهن الله”… ثم تلا رسول الله ـ ﷺ ـ الآية. (رواه البخاري “50”، و”4777″، ومسلم”9″).
وكل هذه النصوص تُؤَكِّد أن الغيب لا يعلمه إلا الله: (عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (الرعد: 9).