قال الله تعالى: (ما جعَلَ عليكم في الدين من حرج).

وقال ـ ـ كما في صحيح الحديث: “ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتُم.

وقد قال العلماء: إن مَن غلبَه الجوع والعطَش له حكم المريض في جواز الفطر أو وجوبه تبعًا للحالة التي هو فيها.

وليس مَن مقصود الصيام العسر على الناس والمشقة، بل هو مدرسة للتهذيب والأخلاق وحرمان مشروع لمعانٍ سامِيَة نبيلة.

ولهذا ثبت في صحيح الحديث أن الناس شق عليهم الصيام عامَ فتح مكة فأتى رسول الله ـ ـ بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شَرِب، فقيل له بعد ذلك أن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العُصاة، أولئك العصاة.

الصيام والمشقة

في صحيح مسلم عن أنس قال: كنَّا مع النبي في السفر فمنَّا الصائم ومنَّا المُفطِر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارٍّ، أكثرنا ظلًّا صاحب الكساء منَّا، ومنا من يتقي الشمس بيده قال: فسقط الصوَّام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقَوا الرِّكاب، فقال رسول الله : ذهب المفطرون اليوم بالأجر.

من هذا المنطلق الإنساني النبيل نقول: إن الذين تلزمهم ظروف العمل الوُقوف أمام الأفران الشديدة الحرارة أو يعملون أعمالًا لا يمكن أداؤها وهم صائمون ولا يمكن تأجيلها أو تخفيفها لمصلحة عامة أو خاصة، جاز لهم الفطر وعليهم القضاء من أيام أُخَر ولا تسقط عنهم الفريضة، بل عليهم أن يتخيروا الوقت المناسب لإبراء ذمتهم من هذا الدَّين الإلهي قبل حلول رمضان التالي.

وكل مسلم أدرى بمصلحته وبما ينفعه في دينه ودنياه، وكل إنسان لديه حاسة يمكن بها أن يتعرف عذره مع علمه بأن الله سبحانه وتعالى لاتخفى عليه خافية في الأرض ولافي السماء .

هل يباح لأصحاب الأشغال الشاقة الفطر في رمضان

يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا– رحمه الله-:

يباح لأصحاب الأعمال الشاقة التي عليها مدار معيشتهم – إذا كانوا يتحملون مشقة شديدة بالصيام – أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم يفطرونه مسكينًا ؛ لأن الحرج مرفوع من الدين بنص القرآن .

وقد ذكر ذلك الفقهاء ، كما في شرح المنهاج للرملي ( ص339 ج2 ) ، وبه فسر الأستاذ الإمام “محمد عبده” قوله تعالى : [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين ](البقرة : 184(  ، وأقل ما يطعمه المسكين مد من الطعام ، وقدر بملء كفي الرجل المعتدل من القمح، وإذا غداه أو عشاه معه أو أعطاه ما يكفي لذلك من الطعام الذي يأكله هو كفى .