الصلاة فرض عين لا تقبل النيابة ولا الوكالة، لأنّها حقّ الله سبحانه على كل عبد، وليس هناك عذر لتركها أبدًا، فهي تؤدَّى من قيام أو قعود أو اضطجاع، في السّلم وفي الحرب، بحركات الجسم والعقل وبأيّة وسيلة مُمكنة؛ لأنها صلة بين العبد وربه، لا يمكن للعاقل أن يستغنيَ عنها، ولا يقبل الله مَن يقوم بها بدلَ العبد، فالشحنة الرُّوحيّة لا يمكن أن تنتقل ممّن حصل عليها إلى غيره أبدًا، فالصّلة مقطوعة.
ولأهميّة الصلاة جعلها الحديث الشريف الذي رواه مسلم الفرق بين المسلم والكافر فمَن تركَها عمدًا جحدًا أو استهزاء كفر، وإذا فاتت وجب قضاؤها، ومَن لم يقضِها يحاسب عليها حسابًا عسيراً إن لم يغفر الله له. ولهذا لا يجوز للابن ولا لغيره أن يصلِّي الفوائتَ عن المتوفّى، لقول الله تعالى: (وأَنْ لَيْسَ للإنْسانِ إِلا مَا سَعَى) (سورة النجم : 39) وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ صدقة جارية أو عِلم يُنتفَعُ بِه أَوْ وَلَدٌ صالحٌ يَدعو له” رواه مسلم، ولأن الأصل في الفروض العينيّة أنْ يؤدِّيَها الشخص بنفسه إلا ما استثنى كالصوم والزكاة والحج، فإنّه يمكن أن يؤدِّيَها عنه غيره لورود النص الصريح في ذلك.
أما الصلاة للوالد المتوفَّى ـ لا الصلاة عنه ـ فجائزة، حيث يمكن للولد أن يصلِّي نافلة ويهَب ثوابها لوالده، فينتفع بها إن شاء الله.
إن جهور العلماء على أن قضاء الصلاة المفروضة عن الميِّت ممنوع، ونقل ابن بطال الإجماع عليه ولكن الإجماع غير صحيح؛ لأن هناك مَن يقول بجواز ذلك، ودليله:
1 ـ ما رواه البخاري أن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أمرَ امرأة جعلت أمُّها على نفسها صلاة بقِباء ـ يعني ثم ماتت ، فقال: صلِّي عنها.
2 ـ ما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح أن امرأة نذرتْ مشيًا إلى مسجد بقباء، أي للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشيَ لها. وأخرجه مالك أيضًا في الموطأ.
3 ـ أن بعض التابعين وعلماء السلف أجاز الصلاة عن الميت. قياسًا على الدعاء والصدقة والحج. ورد الجمهور على ذلك بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء في الموطأ للإمام مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يُصلِّي أحد عن أحد، ولا يصوم أحدٌ عن أحد. وأخرج النسائي عن ابن عباس مثل ذلك القول. فالنقل متضارِب عنهما، وإن كان يمكن الجمع بأن المنع عن القضاء هو في الفرض أو النَّذْر، وأن الجواز هو في النفل وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النّقلينِ بجعل جواز القضاء في حق من مات، وجعل النفي في حقّ الحي “نيل الأوطار للشوكاني ج 9 ص 155”.
يقول النووي في مقدّمة شرحه لصحيح مسلم: جاء في البخاري في” باب مَن مات وعليه نَذر” أن ابن عمر أمرَ من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلِّيَ عنها، وحكى صاحب “الحاوي” وهو الماوردي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت، ومال الشيخ أبو سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخِّرين في كتابه “الانتصار” إلى اختيار هذا. وقال الإمام أبو محمد البغوي من أصحابنا في كتابه “التهذيب” : لا يبعدُ أن يُطعَم عن كل صلاة مُدٌّ من طَعام. (وهو أساس القول بإسقاط الصلاة بالصّدقة وغيرها).
قال النووي: وكل هذه المذاهب ضَعيفة، ودليلهم القياس على الدُّعاء والصدقة والحَجّ، ثم ساق دليل مَن يمنعون الصلاة عن الميّت. وقد سبق ذكره.
فقول الجمهور بعدم جواز قضاء الصلاة عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصحُّ غيره حتى لا يتهاوَن الناس بهذه الفريضة التي هي من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، أما الصلاة للميِّت أي الصلاة النافلة التي يهَب ثوابها له فلا مانِع منها، وقد جاء النص عليها كالعبادات الأخرى.
ونقل الآلوسي في تفسيره عن ابن حزم جواز صلاة النذر والفرض إنْ نَسِيَه أو نام عنه ولم يصَلِّ حتى ماتَ، لدخول ذلك تحت قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “فدَين الله أحقُّ أن يُقضى” ووجهة نظره أن الصلاة مَقيسة على الصوم والحجِّ والدَّين الذي منه الزَّكاة، حيث ورد النّصّ بقضائها عن الميت.
ومهما يكن من شيء فرأي الجمهور على عدم قضاء الصلاة المفروضة عن الميت، أساسه أنها لا تَقبل النيابة استقلالاً ولا تَبَعًا، وما قِيل من أنّ الذي يحجُّ عن الميت سيصلِّي ركعتين عنه للطواف عند مقام إبراهيم، فلماذا لا يصلِّي عنه الصلوات الأخرى ـ فهو مردود؛ لأن صلاة ركعتي الطواف سنة لا فريضة، وتابعة للفريضة لا مستقلّة، ولا تجوز النيابة فيها في الحياة ولا بعد المَمات “الفتاوى الإسلامية ـ المجلد الرابع ـ صفحة 1491 وما بعدها.