صلاة الجمعة مرتين في المسجد الواحد، مثل الازدحام الشديد الذي يجعل المسجد يضيق بالمصلين -نسأل الله تعالى أن يزيدهم عددا- فهي حاجة معتبرة، بل هي في الواقع ضرورة، أو شبه ضرورة، وخصوصاً في أيام الشتاء، الذي تبلغ فيه البرودة مبلغاً عظيماً (عشرين تحت الصفر أو أكثر أحياناً).
وقد جاء في الحديث أن عمرو بن العاص في إحدى السرايا، أصابته جنابة فلم يغتسل، وصلى بأصحابه بالتيمم، فشكوه إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله كانت الليلة باردة وذكرت قول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء : 29، فتبسم النبي ﷺ.(رواه أحمد وأبو داود والدارقطني)، وتبسم النبي يعني إقراره على ما فعل.
فدلنا هذا على أن البرد الشديد من أسباب الرخص والتخفيف. ولم يشرع الله تعالى للناس أن يضروا أنفسهم أو يقتلوها. وفي الحديث النبوي “لا ضرر ولا ضرار.
وإذا لم يشرع لنا أن نكلف المسلمين ما يشق عليهم من احتمال البرد الشديد الضار بهم فهل يشرع لنا أن نحرمهم من صلاة الجمعة لضيق المسجد؟
لا أظن فقيهاً يجيز ذلك، والله تعالى يقول( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) الجمعة : 9
والرسول ﷺ يحذر في أحاديثه من ترك الجمعة، وما ذلك إلا لأهميتها في حياة المسلمين، وأثرها في تجميعهم على الدين، وتذكيرهم بربهم، وتعليمهم مهام دينهم.
فلا يسع الفقيه إذن إلا أن يفتي بجواز صلاة الجمعة مرة أخرى لهذا العذر، وتمكيناً لهؤلاء المسلمين، الراغبين في الصلاة، والساعين إليها، المستجيبين لندائها، من أدائها على هذا الوجه، حتى لا يحرموا من المثوبة، ولا تضيع عليهم الفريضة.
ومن مزايا الشريعة الإسلامية: أنها شريعة واقعية، تقدر أعذار الناس، وتقرر للضرورات أحكامها، ولا تغفل الظروف الطارئة والاستثنائية.
وقد أجاز العلماء في حالة الزحام أن يسجد المصلي على ظهر أخيه، اعترافاً بضغط الضرورة. كما أجازوا أن يصلي قدام الإمام.
والأولى أن يكون لكل صلاة إمامها وخطيبها، فإن لم يتيسر ذلك، فلا أرى مانعاً من أن يؤم الصلاتين ويؤدي خطبتيهما إمام واحد، وتكون الصلاة الأولى له فريضة، والثانية نافلة، كما كان يفعل بعض الصحابة، يصلي وراء رسول الله ﷺ، ثم يذهب إلى محلة قومه، فيؤمهم، فأجاز له الرسول الكريم ذلك، واعتبر الصلاة الثانية له نافلة.
ويجوز تعدد الجمعة في المسجد الواحد في غير الشتاء، لعدم وجود أماكن في الخارج يستطيع الناس الصلاة بها، أو لمنع قوانين المرور زيادة عدد السيارات أكثر من حد معين، أو نحو ذلك من الأعذار.