الحمامات أماكن خاصة للاستحمام، وكانت للبيوت الموسِرة حمامات خاصة بها، ثم أقيمت حمامات عامة للناس ، وهي قديمة موجودة قبل الإسلام، يقول المقريزي في خططه “ج 3 ص 129”: قال محمد بن إسحاق في كتاب “المبتدئ” : إن أول من اتخذ الحمّامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لمّا دَخَله ووَجَد حَمِيمَه قال: أواه من عذاب الله أواه!! وذكر المسبحي في تاريخه أن أول من بَنَى الحمّامات في القاهرة “العزيز بالله نزار بن المعز” وكان بها ثمانون حمّامًا في سنة 685هـ. وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمّام. أهـ.
ولهذه الحمّامات آثار باقية إلى الآن بالشام. وهي آخذة في الانقراض. وقد ألَّف الحافظ ابن كثير كتابًا في الحَمّام. ووردت فيه أحاديث كثيرة لم يُتَّفَق على صحة شيء منها، قال المنذري: وأحاديث الحَمَّام كلها معلولة، وإنَّ ما يَصِحُّ منها فهو عن الصحابة “نيل الأوطار ج 1 ص 277”.
ومن هذه الأحاديث ما يأتي:
1 ـ روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن النبي ـ ﷺ ـ قال “إنها سَتُفتَح لكم أرض العَجَم، وستَجِدُون فيها بيوتًا يقال لها الحمّامات. فلا يَدْخُلْها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء ، إلا مريضة أو نُفَسَاء” نيل الأوطار ج 1 ص 178 والترغيب والترهيب ج 1 ص 65. وقد تُكُلِّم في هذا الحديث بما يُضعِف حُجِيَّتَه.
2 ـ وأخرج المنذري في كتابه “الترغيب والترهيب” ج 1 ص 66 أن نساء من أهل حمص، أو من أهل الشام دَخَلْنَ على عائشة فقالت: أنتن اللاتي تُدْخِلْنَ نساءكن الحمّامات؟ سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “ما امرأة تَضَعُ ثيابها في غير بيت زوجها إلا هَتَكَتِ السِّتْرَ بينها وبين ربها” رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ورُوِيَ معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دَخَلَ عليها نساء حمص. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم.
3 ـ وعن طاووس عن ابن عباس أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “احذروا بيتًا يقال له الحمّام” . قالوا: يا رسول الله يُنَقِّي الوَسَخَ. قال: “فاسْتَتِرُوا” رواه البزار وقال: رواه الناس عن طاووس مرسلاً.
قال الحافظ المنذري: رواتُه كلهم محتجٌّ بهم في الصحيح. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم . ورواه الطبراني في الكبير بنحو ما رواه الحاكم “الترغيب ج 1 ص 65” وصحَّحه الألباني.
4 ـ عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “الحمّام حرام على نساء أمتي” رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد “الترغيب ج 1 ص 65″.
5 ـ وعن جابر قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَدخُل الحمام إلا بمئزر . ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحمام”. رواه النسائي والحاكم وصحّحه، وحسَّنه الترمذي “المرجع السابق” وفي ص 66 رُوِيَ مثله عن طريق أبي سعيد الخدري.
قال القرطبي في تفسير ” ج 12 ص 224″ حرَّم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجحفة، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأوْلى بهن البيوت إن أمْكَنَ. وذَكَرَ حديثًا لم يَصِحَّ: أن النبي ـ ﷺ ـ لَقِيَ أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها: “والذي نفسي بيده ما من امرأة تَضَعُ ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كلَّ سِتْرٍ بينها وبين الرحمن عز وجل” وذكر حديثًا هو أصحَّ إسنادًا عن طاووس عن ابن عباس “تقدم تحت رقم 3”.
ثم يقول القرطبي: دخول الحمام في زماننا حرام على أهل الفضْل والدِّين، لعدم مراعاة الأدب في سَتْرِ العَوْرة، لا سيما بالديار المصرية، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط:
1 ـ أن يدخل بنية التداوي أو التطهر من العرق إثر الحُمَّى.
2 ـ أن يَتَعَمَّد أوقات الخَلْوة أو قلة الناس.
3 ـ أن يَسْتُر عورته بإزار صَفِيق.
4 ـ أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط، لئلا يَقَعَ على محظور.
5 ـ أن يُغَيِّر ما يَرَى من منكر برفق، نحو، اسْتَتِرْ سَتَرَكَ الله.
6 ـ إنْ دَلَّكَهُ أحد فلا يُمَكِّنُه من عورته، من سُرَّتِه إلى رُكْبته.
7 ـ أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس.
8 ـ عدم الإسراف في الماء.
9 ـ إن لم يَقْدِرْ على دخوله وحدَه اتَّفَقَ مع أمناء على الدين على كِرائه.
10 ـ أن يتذكر به جهنم.
وذكر حديثًا فيه مدح دخوله الحمام، لأنه يُذَكِّرُ الإنسان بالنار، فيَستعِيذ منها ويَسأل الجنة، وفيه ذَمُّ دخول بيت العروس، لأنه يرغبه في الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحًا.
وجاء في القرطبي أيضًا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة: إنه بلغني أن نساء أهل الذمة يَدْخُلْنَ الحمّامات مع نساء المسلمين، فامْنَعْ من ذلك، وحُلْ دونه، فإنه لا يجوز أن تَرَى الذمِّيَّة عَرْيَةَ المسلمة، فقام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تَبْيَضُّ الوجوه. أهـ. “ج 12 ص 224”.
وفي الشوكاني “ج 1 ص 145” أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يدخل الحمام ويتنور، أي يستعمل النَّورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث، مع أن الحمام لم يكن معروفًا ببلاد العرب، أو لم يكن شائعًا على الأقل، ويبدو ـ إن صَحَّ هذا الحديث ـ أن المراد به مكان منعزل يَسْتَحِمُّ فيه الشخص، وليس حمّامًا عامًا بالمعنى المعروف.
وإذا كانت الحمامات المبنية لا يُرَغَّب في دخولها، فما بالنا بالحمامات المكشوفة في النوادي والساحات، على الشواطئ التي لا يلتزم فيها حجاب يَسْتُرُ العورة ولا يَعْزِل الجنسين بعضهما عن بعض! إنها أشد نُكْرًا.