بين النبي ﷺ لعبدالله بن عمرو بن العاص لما سأله عن كيفية قراءة القرآن، فأخبره عبدالله أنه يختم في كل يوم، ويصوم الدهر، فأمره النبي ﷺ أن يصوم ويفطر، وأن ينام ويقوم، وأن يختم في كل شهر، وقال إن لنفسك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه فاستزاده عبدالله، فانتهى معه إلى أسبوع، قال: اقرأه في كل أسبوع، في كل سبعة أيام.
فأفضل ما يقرؤه في سبعة أيام، وإن زاد فلا حرج، في شهر.. في عشرين.. في أكثر، وأقل ما يقرؤه فيه ثلاثة أيام، كما في الحديث: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
فإذا اعتاد الإنسان أن يقرأه في سبع، كما كان كثير من الصحابة يفعلون ذلك، كانوا يحزبونه سبعة أحزاب، ويختمون في كل أسبوع، هكذا كان جمع من الصحابة رضوان الله عليهم.
حكم ختم القرآن في صلاة التروايح
كون الإمام يقرأ جزءاً من القرآن في صلاة التراويح كل ليلة بحيث يقرأ ربعاً في كل ركعة بغرض الختم في التراويح لا يعتبر بدعة، لأن ختم القرآن مستحب عند أصحاب المذاهب الأربعة، ولا حرج في تحديد ما يقرأ في كل ركعة، وقد حدد الحنفية بعشرين أو ثلاثين آية، قال السرخسي في المبسوط متحدثاً عند قدر القراءة في كل ركعة: واختلف فيه مشايخنا رحمهم الله تعالى قال بعضهم: يقرأ مقدار ما يقرأ في المغرب تحقيقاً لمعنى التخفيف، لأن النوافل يحسن أن تكون أخف من الفرائض، وهذا شيء مستحسن لما فيه من درك الختم، والختم سنة في التراويح، وقال بعضهم: في كل ركعة من عشرين آية إلى ثلاثين آية، أصله ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه دعا ثلاثة من الأئمة واستقرأهم، فأمر أحدهم أن يقرأ في كل ركعة ثلاثين آية، وأمر الآخر أن يقرأ في كل ركعة خمسة وعشرين آية، وأمر الثالث أن يقرأ في كل ركعة عشرين آية. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الإمام يقرأ في كل ركعة عشر آيات ونحوها وهو الأحسن لأن السنة في التراويح الختم. انتهى.
حكم ختم القرآن في صلاة التروايح أكثر من مرة
وفي المرداوي في الإنصاف: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة إلا أن يؤثر المأموم، ولا ينقص عنها. نص عليه وهذا هو الصحيح من المذهب. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية:وقال الكاساني: ما أمر به عمر رضي الله تعالى عنه هو من باب الفضيلة وهو أن يختم القرآن أكثر من مرة، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمام حسب حال القوم، فيقرأ قدر ما لا ينفرهم عن الجماعة، لأن تكثير الجماعة أفضل من تطويل القراءة. انتهى.
وفي حاشيتي قليوبي وعميرة وهو شافعي: قال الأسنوي: التراويح سنة بالإجماع، وأفتى ابن الصلاح وابن عبد السلام بأن ختم القرآن في مجموعها أفضل من قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً في كل ركعة.
وقال خليل المالكي في مختصره عاطفاً على بعض المستحبات: والختم فيها، وسورة تجزئ. انتهى.
وعليه، فالختم في صلاة التراويح مستحب في المذاهب الأربعة، ولا حرج في تحديد ما يقرأ في كل ركعة.
ما هي البدعة
البدعة هي ـ كما عرفها الشاطبي -: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعيّة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
وقوله (تضاهي الشرعية) أي: تشبه الطريقة الشرعية، لكنها في الحقيقة مضادة لها، وقد مثل الشاطبي للبدعة بقوله:
ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته. انتهى كلام الشاطبي رحمه الله من كتاب الاعتصام.
ومن الضوابط التي وضعها العلماء للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي ﷺ مع وجود المقتضي له، وعدم المانع من فعله، ففعله بعد ذلك بدعة.