يقول الله سبحانه : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُم أو تُخْفُوه يُحَاسِبْكُمْ بِه اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) [سورة البقرة: 284].
وبعيدًا عما قال المُفَسِّرون في الآية من إحكام أو نسخ بما جاء بعدها من أن الله لا يُكَلِّف نفسًا إلا وسعها، في الحديث الشريف “إنَّ الله سبحانه تجاوز لأمتي عما حدَّثت به نفسها ما لم تتكلَّم أو تعمل” رواه البخاري ومسلم.
إن للنفس عدةَ حركات، منها الهاجس والخاطر وحديث النفس والهمُّ والعزم، وكل إنسان مُعَرَّضٌ لها بحكم طبيعته التي خلقه الله عليها، ولو حاسَبَنا عليها وآخذنا بها لكان ذلك تكليفًا بما لا يُطاق، وهو سبحانه حكم عدل رءوف رحيم، ولذلك لا يحاسب إلا على نتيجة هذه الحركات النفسية من القوْل أو العمل، أما ما دامت في المرحلة الداخلية، فلا يكلفنا إلا بأقواها وأقربها إلى التنفيذ، وذلك يكون عند الهمِّ والعَزْم.
وقد جاء فيما حدَّث به الرسول -ﷺ- عن ربِّ العزة، كما رواه البخاري ومسلم : “إن الله كتب الحَسَنات والسيئات ثم بيَّن ذلك في كتابه فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن عملها كتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة، وإن عملها كتبها الله عليه سيئة واحدة”.
وذلك هو حكم الهمِّ بالسيئة دون عملها، لا عقاب عليها بل نص هذا الحديث على أنه يُثاب بحسنة، أما العزم وهو درجة أقوى من الهمِّ ففيه المؤاخذة، بناء على حديث البخاري ومسلم : “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” قيل يا رسول الله هذا القاتل، يعني عرفنا حكمه؛ لأنه قتل، فما بال المقتول يدخل النار ولم يقتل؟ قال: “إنه كان حريصًا على قتل صاحبه”. والحِرص هو العزم المصمم، وهو كالفعل في المؤاخذه عليه.
ثم إن العلماء قالوا : العدول عن فعل المعصية التي همَّ بها له سببان:
الأول عجز عن التنفيذ أو خوف من رقيب دنيوي، وهذا لا مُؤاخذة فيه، فلا تُكْتَب سيئة، بل ولا يُعطى حسنة، وكفى أنه لا عقاب عليه.
والسبب الثاني في العدول عن فعل المعصية هو الخوف من الله سبحانه، وهنا لا يُكتفى بعدم العقاب، بل يُكافأ بثواب حسنة.
فالخوف من الله عمل خير، لا يضيع أجره عند الله، ويوضِّح هذا ما جاء في روايات أخرى للحديث، منها ما رواه الشيخان أيضًا “يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة”. وفي رواية لمسلم : “وإذا تحدَّث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جراي” أي من أجلي.
فلا عقاب في حديث النفس بارتكاب المعصية حتى لو وصلت إلى درجة الهم وما دام المسلم تركتها خوفًا من الله فله حسنة إن شاء الله.