جاء في صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن شعر النبي ﷺ كان يبلغ شحمة أذنيه ﷺ.
وجاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي ﷺ مكة وله أربع غدائر. وفي رواية الترمذي وله أربع ضفائر.
وفي زاد المعاد لابن القيم رحمه الله قال:
كان شعره فوق الجمة ودون الوفرة وكانت جُمَّته تضرب شحمة أذنه، [الجُمَّة من الشعر إِذا بلغت الأُذنين] وإذا طال جعله غدائر أربعاً، والغدائر: الضفائر.
الفقهاء على أنه يباح للرجل إطالة الشعر ما لم يكن القصد التشبه بالجنس الآخر أو غير المسلمين أو المنحرفين.
ولكن قد اختلف العلماء فيمن صنعها هل يثاب على أنها قربة من القرب، أما أن فعلها من باب المباح.
ما هي أقسام أفعال النبي ﷺ؟
العلماء نظروا في أفعال النبي ﷺ فوجدوها لا تخرج عن ثلاثة أقسام:
-إما أن تكون جبلية محضا كالأكل والشرب.
-وإما أن تكون شرعية محض،
-والثالث ما يحتمل أن يكون جبليا وشرعيا.
وغير هذه الأقسام الثلاثة تكون من خصوصياته ﷺ كمواصلة الصوم ، والزواج بأكثر من أربع. وإطالة الشعر تدخل في القسم الثالث، وهذا القسم الثالث من العلماء من قال بندب التأسي بفعله ﷺ، ومنهم من قال بإباحة التقدي، ومنهم من قال بالتوقف، وهناك من أوجبه.
والراجح هو إباحة إطالة الشعر على أنه عادة من العادات لا على أنه قربة من القرب. ومن اقتدى بالنبي ﷺ في هيئة من هيئاته ﷺ فإنه يثاب لعموم قوله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”(الأحزاب:21)
جاء في أضواء البيان للشيخ الشنقيطي ـ رحمه الله:
أفعال النَّبي ﷺ بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل التشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقرباً لله، واقتداء بنبيه ﷺ، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك التشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب. والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع، ولكنه يدل على الجواز.
القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي، والتشريع كأفعال الصلاة، وأفعال الحج مع قوله: « صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» وقوله: «خذوا عني مناسككم ».
القسم الثالث: وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي.
وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها، أو في وسيلتها كالركوب في الحج، فإن ركوبه ﷺ في حجه محتمل للجبلة، لأنَّ الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب ﷺ في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه: ومحتمل للشرعي لأنه ﷺ فعله في حال تلبسه بالحج وقال: « خذوا عني مناسككم » ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد. والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر، وصلاة الصبح، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد، والخروج من كُدى بالضم والقصر. والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك.
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
وفعله المركوز في الجبلة… كالأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف والذي احتمل… شرعاً ففيه قل تردد حصل
فالحج راكباً عليه يجري… كضجعةٍ بعد صلاة الفجر
جاء في أمالي السمعاني:
إن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة؛ كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة، أو هيئة الأكل إذا نوى بها الاقتداء بالنبي ﷺ كالأكل بثلاث أو متربعاً ونحو ذلك.
حكم التقليد في الأمور النافعة؟
قال الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى-:
التقليد في الأمور النافعة التي لم يرد الشرع بالنهي عنها أمر جائز، وأما التقليد في الأمور الضارة أو التي منع الشرع منها من العادات، فهذا أمر لا يجوز، فهؤلاء الذين يطولون شعورهم نقول لهم: هذا خلاف العادة المتبعة في زمننا هذا، واتخاذ شعر الرأس مختلف فيه هل هو من السنن المطلوب فعلها؟ أو هو من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما اعتاده الناس في وقته؟
والراجح عندي: أن هذا [أي: إطالة الرجل لشعره] من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما جرى عليه الناس في وقته، فإذا كان من عادة الناس اتخاذ الشعر وتطويله فإنه يفعل، وإذا كان من عادة الناس حلق الشعر أو تقصيره فإنه يفعل.
ولكن البلية كل البلية أن هؤلاء الذين يعفون شعور رؤوسهم لا يعفون شعور لحاهم ثم هم يزعمون أنهم يقتدون بالرسول ﷺ، وهم في ذلك غير صادقين فهم يتبعون أهواءهم ويدل على عدم صدقهم في اتباع الرسول ﷺ، إنك تجدهم قد أضاعوا شيئاً من دينهم هو من الواجبات كإعفاء اللحية مثلاً، فهم لا يعفون لحاهم وقد أمروا بإعفائها وكتهاونهم في الصلاة وغيرها من الواجبات الأخرى مما يدلك على أن صنيعهم في إعفاء شعورهم ليس المقصود به التقرب إلى الله ولا اتباع رسول الله ﷺ، وإنما هي عادة استحسنوها فأرادوها ففعلوها.
حكم التعبّد بما لم يتعبّد به النبي ﷺ؟
يقول الشيخ حامد العلي ـ من علماء الكويت بتصرف:
الأصل الجامع في هذا الباب، أنه لا يجوز التعبّد بما لم يتعبّد به النبي ﷺ، ويشمل ذلك ما فعله على وجـه الإباحـة لا التقـرب إلى الله به، مثل ما ذكر في السـؤال، فاتخاذه الشعـر لمـّة، أو جمّة، كان منه ﷺ على عادة قومه.. وحينـئذ فمن فعـله على أنه من قبيل المباح فلا تثـريب عليه، أما من فعله على وجه القربة فقـد خالف.
ذلك أن الإئتساء بالنبي ﷺ يكون في صورة الفعل، والقصد منه، وليس في صورته فحسـب، فما فعله ﷺ على وجه التقرب، نفعله على وجه التقـرب، وما فعله لأنّـه عادة قومه ولم يتقرب به إلى الله، أو بمقتضى جبلّته، فمن يفعله على وجه القـربة يكون قـد خالف هديه، وسنته.
وينبغي أن يعلم أنّ هذا في باب الأفعال المجردة، وليس الأقوال، فأقواله صلى الله عليه لها دلالاتها حسـب دلالات ألفاظها.
فما كان من فعل نبويّ مجـرّد لم يقترن به قول، ولم يدل دليل على أنّ النبي ﷺ، فعله بقصد القـربة، فهذا حكــمه.
ولهذا كان عمر رضي الله عنه ينهى الصحابة عن تتبع مثل هذه الآثار، وأما ما كان يفعله ابنه عبد الله من تتبّع كلّ حال النبي ﷺ، فهو ممن شدّة حبّه للنبيّ ﷺ، وليس من باب التقرب بالفعل ذاته، وقد تقدم أنه لا ينـكر على فاعلـه، إذ كان مباحــا.
غير أنـّه إذا كان فعل مثل هذه الأفعال النبوية المجردة التي فعلها ﷺ على وجه الإباحة فحسب، فعلها يفـوت مصلحة راجحـة، أو يقتضي مفسدة فمقتضى الهدي النبوي، والشريعـة المحمدية، الكـفّ عن فعلها.
وقد ورد عن النبي ﷺ الحضّ على إكرام الشعـر فهذه سنة قوليّة في حـقّ من لـه شعـر، أما تطويله في الأصـل فهو من قبيل المباح، لا من قبيل المندوب، فلا يشرع فعلـه على انه منـدوب، ثـم إذا كان اتخاذه يقتضي مفسدة، كاستجلاب شهـرة فليـترك، إذ كان سَنَن الصالحين، ما دلـت عليه شريعـة جميع المرسلين، المبالغة بالعناية بإصلاح عمل القلب بالإخلاص وأنـّه مقدم على كل ما سـواه.