وجوب تسوية الصفوف في الصلاة :
2 ـ وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال، كان رسول الله ـ ﷺ ـ يُقبِل علينا بوجهه قبل أن يُكبِّر فيقول: “تراصُّوا واعتَدِلوا” رواه البخاري ومسلم.
3 ـ وعن أبي أُمَامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ “سوُّوا صفوفكم ، وحاذُوا بين مَناكِبكم، ولِينُوا في أيدي إخوانكم، وسُدُّوا الخَلَل، فإن الشيطان يَدخل فيما بينكم بمنزلة الحَذَف” يعني أولاد الضأن الصغار. رواه أحمد.
4 ـ وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: خَرَج علينا رسول الله ـ ﷺ ـ فقال: “ألا تُصفُّون كما تُصفُّ الملائكة عند ربِّها” فقلنا: يا رسول الله كيف تُصَفُّ الملائكة عند ربِّها؟ قال “يُتِمُّون الصف الأول، يَتراصُّون في الصف” رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
معنى التسوية والاعتدال والإقامة والاستقامة في الصلاة :
تَدُلُّ هذه الأحاديث على نَدْب التسوية في الصفوف وسَدِّ الفُرَج وإتمام الصف الأول ، وجاءت أحاديث صحيحة بفضل الصلاة في الصف الأول، وأنه خير من الصف الذي يَلِيه.
وبهذا يُعلَم أن المصلِّي لو دَخَل فوَجَد الجماعة مُقامة وأن الصف الأول غير تام أو فيه فرجة فانفراده بصفٍّ مكروه، ولا خلاف في ذلك، لكن هل مع الكراهة تَصِح صلاته أو تَبطُل وعليه إعادتها؟ الجواب عن ذلك يَترتب على بيان الحكم فيمن لم يجد فرصة في الصف الأول فصلَّى وحدَه، وقد وَرَدَتْ في ذلك أحاديث منها:
1 ـ عن علي بن شيبان أن النبي ـ ﷺ ـ رأى رجلاً يصلِّي خلف الصف فوَقَف حتى انصرف الرجل فقال له: “استقْبِلْ صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصفِّ” رواه أحمد وابن ماجه، وقال أحمد : إنه حديث حسن.
2 ـ عن وابصة بن معبد أن النبي ـ ﷺ ـ رأي رجلاً يصلِّي خلف الصف وحدَه، فأمَرَه أن يُعيد صلاته. أخرجه الخمسة إلا النسائي، ورواه الدارقطني وابن حبان ،وحسَّنه الترمذي.
3 ـ عن أبي بكرة أنه انتَهَى إلى النبي ـ ﷺ ـ وهو راكع ، فرَكَع قبل أن يَصِلَ إلى الصف فذَكَر ذلك للنبي ـ ﷺ ـ فقال: “زادك الله حِرْصا ولا تعد”، أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن حبان.
حكم من لم يجد فرجة أو سعة في الصف فصلى وحده :
أ ـ فقالت طائفة : لا يجوز ولا تصح صلاته، ومِن قال به النخعي وأحمد وإسحاق ، وحجتهم الحديثان الأوَّلان، وعلى قولهم هذا يكون الحكم من باب أوْلى على مَن تَمكَّن من الدخول في الصف الأول ولم يَدخُل، بل صلَّى وحدَه.
ب ـ وقالت طائفة أخرى: تجوز صلاته ولا إعادة عليه، ومنهم الحسن البصري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وحجتهم في ذلك الحديث الثالث، حيث لم يأمُر النبي ـ ﷺ ـ أبا بكرة بالإعادة، ومثل هذا الحكم فيمن صلَّى وحدَه مع وجود فرجة في الصف الأول.
ورَدَّ هؤلاء على حجة الأوَّلِين بأن الأمر بالإعادة في حديث وابصة هو للندب، للمبالغة في المحافظة على الأوْلى والأحسن. ومن مُتمسَّكاتهم ما رُوِيَ أن الشافعي كان يُضعِّف حديث وابصة ويقول: لو ثَبَت لَقُلْتُ به، ولكن البيهقي ـ وهو من الشافعية ـ قال: إن الخبر المذكور ثابت.
وهنا اتجاه للجمع بين الأخبار، وهو : أن الأمر بالإعادة يُحمَل على من انفرد عن الصف لغير عُذر، والأمر على سبيل الوجوب عند أحمد والندب عند غيره، ويُحمَل عدم الأمر بالإعادة على من انفرد عن الصف لعذر، مع خشية الفَوات لو انضمَّ إلى الصف. وفَسَّر الشراح قول النبي ـ ﷺ ـ لأبي بكرة “ولا تعد” بمعنى لا تَعُدْ إلى التأخر عن الصلاة، أو لا تَعُدْ إلى الإتيان إلى الصلاة مُسرعًا، وذلك مَبنِىٌّ على الخلاف في التاء من “تعد” هل هي مفتوحة أو مضمومة.
ماذا يفعل من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف :
واستَدلَّ القائلون بالجواز بما رَوَاه الطبراني في الأوسط والبيهقيُّ من حديث وابصة: أن النبي ـ ﷺ ـ قال لرجل صلَّى خلف الصف :”أيها المصلي، هلّا دَخَلتَ في الصف أو جَرَرْتَ رجلاً من الصف، أَعِدْ صلاتك” وهو ضعيف ورواه أبو داود مُرسَلاً، وما رَوَاه الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في جذْب رجُلٍ إليه، إسناده واهٍ.
“انظر: نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 226”.