لقد تخوف فقهاؤنا من الشراكة المالية بين المسلم والكافر بسبب التباين العميق بينهما في فلسفة تنمية المال واستثماره، فالكافر يفكر في الربح ولا يعنيه حلال من حرام ، وإن عناه ذلك فإن مدركات التحريم تختلف من المسلم إلى الكافر.
فالربا والمقامرات والمراهنات وإنتاج الخمور والكحوليات وتوزيعها، والاقتراض الربوي من البنوك وإقراضها بالربا، وإنتاج التبغ وتوزيعه…… هذه الاستثمارات تظهر في المساحات المحرمة على المسلم، لا يجوز له أن يقتحمها، بل عليه أن ينكرها ويحاربها ويجابهها حسب قدرته، بينما يرى الكافر هذه الاستثمارات فرصة للربح أي فرصة، ويرى السفاهة كل السفاهة في تضييعها!!
هذا الاختلاف العميق وما يقتضيه كان السبب الذي حدا ببعض الفقهاء أن يحرم الشراكة المالية بين المسلم والكافر، وببعض الفقهاء أن يكرهها، وببعضهم أن يشترط للجواز أن يكون صاحب اليد الطولى في الشركة هو المسلم حتى يتمكن من استثمار المال وفق شريعته التي يؤمن بها.
وإزاء هذا المأزق الحتمي من المشاركة كان لا بد من حل، والقسمة العقلية هنا تقضي أن تمنع الشراكة بينهما أصلا – كما ذهب الحنفية في بعض أنواع المشاركات- أو تصحح على أن تكون اليد الطولى للمسلم – كما هو مذهب المالكية وكثير من السلف- أو تصحح بلا شرط فيقع المسلم في تناقض عجيب ، وهذا ما لم يقل به أحد.
وبعض المغرضين يشغب على الحلين الأولين باعتبارهما يكرسان معنى العنصرية، ويبدو أن هؤلاء يتكلمون دون تفكير، فلو فكروا لحظة لأدركوا أن هذا الانفصال يأتي تكريسا للحرية التي يتشدقون بها، فبإمكان كل طرف أن يطبق ما يعتقد دون أن يفرض إرادته على الآخرين.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-
لا يمنع اختلاف الدين قيام الشركة بين المسلم والكافر . واشترط المالكية والحنابلة ألا ينفرد الكافر بالتصرف لأنه يعمل بالربا ولا يحترز مما يحترز منه المسلم .
قال الحنابلة : وما يشتريه الكتابي أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدا وعليه ضمانه .
وقال المالكية : شركة الذمي لمسلم صحيحة بقيد حضور المسلم لتصرف الكافر . وأما عند غيبته عنه وقت البيع والشراء فلا يجوز، ويصح بعد الوقوع . وبعد ذلك إن حصل للمسلم شك في عمل الذمي بالربا استحب له التصدق بالربح فقط لقوله تعالى : { فلكم رءوس أموالكم } وإن شك في عمله بالخمر استحب له التصدق بالربح ورأس المال جميعا لوجوب إراقة الخمر على المسلم . وإن تحقق وجب التصدق .
وذكر الحنابلة أن الذمي المجوسي تكره مشاركته أصلا وتصح بالقيود السابقة . والشافعية يعممون الكراهة في مشاركة كل كافر .
أما الحنفية فإنهم اشترطوا في المفاوضة خاصة التساوي في الدين ، فتصح بين مسلمين، وبين نصرانيين ولا تصح بين مسلم ونصراني؛ لأن من شرطها التساوي في التصرف ” لأن الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته فيفوت شرط التساوي في التصرف . وأجازها أبو يوسف مع الكراهة، وعلل الكراهة بأن الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود .
وأما شركة العنان فتصح بين المسلم والكافر أيضا . وفي البدائع أن شركة المضاربة تصح بينهما أيضا ولم يتعرضوا لاختلاف الدين في شركة الوجوه وشركة الأعمال. انتهى.
وفي كتاب المحلى لابن حزم:
ومشاركة المسلم للذمي جائزة ولا يحل للذمي من البيع والتصرف إلا ما يحل للمسلم؛ لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالمنع من ذلك، وقد عامل رسول الله ﷺ أهل خيبر – وهم يهود – بنصف ما يخرج منها على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم فهذه شركة في الثمن والزرع والغرس…. ونحن ندري أنهم يستحلون الحرام كما أن في المسلمين من لا يبالى من أين أخذ المال إلا أن معاملة الجميع جائزة ما لم يوقن حراما فإذا أيقناه حرم أخذه من كافر أو مسلم .