الحزن والبكاء على الميت جائز، ولم يفت أحد بحرمته، ولكن المحرم هو النياحة التي تصحبها مخالفات شرعية، كشق الجيوب ولطم الخدود وإظهار الجزع من القدر، و تحد المرأة على المتوفى ثلاثة أيام، إلا أن يكون زوجها، فتحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام.

وبهذا يقف الإسلام موقفا وسطا، بين التعبير عن المشاعر الإنسانية لفقد محبوب، وبين البعد عما لا يليق من أفعال الجاهلية.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

ومن التقاليد التي حاربها الإسلام تقاليد الجاهلية في الموت وما يتصل به من نياحة وعويل، وغلو في إظهار الحزن والجزع.

وقد علم الإسلام أتباعه أن الموت إنما هو رحلة من دار إلى دار، فليس فناء مطلقا. ولا عدما صرفا، وأن الجزع لا يحيي ميتا، ولا يرد قضاء قضى الله به. فعلى المؤمن أن يتقبل الموت كما يتقبل كل مصيبة تصيبه صابرا محتسبا، آخذا العبرة آملا في لقاء أبدي في الدار الآخرة، مرددا قول القرآن: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) سورة البقرة:156.

أما صنيع أهل الجاهلية فهو منكر حرام برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية.

ولا يحل للمسلم أن يلبس من شارات الحداد أو يترك التزين أو يغير الزي والهيئة المعتادة، إظهارا للجزع والحزن؛ إلا ما كان من زوجة على زوجها فإنها يجب أن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، وفاء لحق الزوجية، وللرباط المقدس الذي جمع بينهما، حتى لا تكون معرضا للزينة، ومتعلقا لأبصار الخطاب في مدة العدة، التي اعتبرها الإسلام امتدادا للزوجية السابقة في كثير من الحقوق، وسياجا لها.

أما إذا كان الميت غير الزوج -كالأب والإبن والأخ- فلا يحل للمرأة الحداد عليه أكثر من ثلاث ليال. روى البخاري عن زينب بنت أبي سلمة أنها روت عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، وعن زينب بنت جحش حين توفي أخوها، وأن كلا منهما دعت بطيب لمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا”.

وهذا الإحداد على الزوج واجب لا تساهل فيه ولقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول لا. وهو يدل على حرمة التزين والتجمل طوال المدة المفروضة.

وأما الحزن من غير جزع، والبكاء من غير عويل، فذلك من الأمور الفطرية التي لا إثم فيها. وسمع عمر بعض النسوة يبكين على خالد بن الوليد، فأراد بعض الرجال منعهن، فقال له: دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع( تراب على الرأس) أو لقلقة (صوت).