النِّية معناها القصد، والقصد عمل قلبي، فلا يجب التلفُّظ بها في الصلاة وغيرها، ولا يتوقّف قَبول الصلاة على التلفظ بها سرًّا أو جهرًا.
وقد قال الشافعية: لا بأس بالتلفظ بها، بل يُسنُّ، وذلك ليساعِد اللسان القلب، فلو ترك التلفظ بها فالصلاة صحيحة ومقبولة إن شاء الله، إذا توافَرت فيها عوامل القَبول بعد الأداء الشكليّ، ومنها الخشوع والإخلاص.
وجاء في “فقه المذاهب الأربعة” أن المالكيّة قالوا: التلفُّظ بالنِّيّة خِلاف الأولى إلا للموسوس فإنّه مندوب، دَفعًا للوسوسة، وقال الأحناف: إن التلفُّظ بِدعة. إذ لم يثبُت عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه. ويُستحسن دفعًا للوسوسة.
فالخُلاصة أن النِّيّة في الصّلاة محلّها القلب، ولا يُشترَط التلفّظ بها . بل قال الأحناف: إنه بدعة، وقال المالكيّة: إنه خلاف الأولى، وذلك لغير الموسوس، فيكون التلفّظ مندوبًا أو مستحسَنًا. وقال الشافعية : إنه سُنّة.
وابن القيم في كتابه “زاد المعاد” ج 1 ص 51 نَعى بشدة على من يقول بجواز النطق بالنّيّة، وصحّح رأي الشافعية في ذلك فقال: كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقُلْ شيئًا قبلها، ولا يلفظ بالنّيّة ألبتَّةَ، ولا قال أصلّي له صلاة كذا مُستقبل القِبلة أربع رَكَعات إمامًا أو مأمومًا، ولا قال: أداء ولا قَضاء ولا فرض الوقت.
وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها ألبتّةَ، بل ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة، وإنما غرض بعض المتأخِّرين قول الشافعي ـ رضي الله عنه ـ في الصلاة إنها ليست كالصيام ولا يدخل أحد فيها إلا بذِكر، فظنّ أن الذِّكر تلفُّظ المصلِّي بالنِّيّة، وإنما أراد الشافعي رحمه الله بالذِّكر تكبيرة الإحرام ليس إلا، وكيف يُستحَبّ الشافعي أمرًا لم يفعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة واحدة ولا أحد من خُلفائه وأصحابه؟
هذا هو رأي ابن القيم، وللأئمة آراؤهم، والحكم على ما هو ذِكْر بأنّه بدعة ليس مسلَّمًا على طول الخطّ أنه ضلالة، فقد قال به علماء أفاضِل، وجعلوه سُنّة أو مستحَبًّا أو مندوبًا في بعض الحالات كالوسوسة، مع العلم بأن التلفُّظ بها لا يضُرُّ وقد يَنفَع.