حقيقة هذه الاستمارة أن بها خمسة أسماء يتم تصعيدهم واحدا بعد الآخر للرقم الأول الذي يحصل على المكافأة الكبرى قد تصل إلى ستة آلاف جنيه تقريبًا.. ويقوم المشتري لهذه الاستمارة بدفع مبلغ 10 جنيه ثمنًا لها، يتقاضى هذا المبلغ مرة أخرى من ثمن خمسة استمارات له يبيعها للآخرين لحسابه الخاص، بيد أنه يرسل مع هذه الاستمارة للشركة المذكورة حوالتين بريديتين كل منهما بمبلغ عشرين جنيها، واحدة منهما لصالح الشركة ، والأخرى لصالح الرقم الأول بالاستمارة، الذي هو صاحب الحظ ؟
يقول الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر :
إن هذا نوع جديد من المعاملات الاقتصادية المستحدثة التي يبتدعها أصحاب شركات الاحتيال والنصب على الناس لأكل أموالهم بالباطل وجمع المال من غير أبوابه الحلال بالخدع الماكرة والأساليب المحرمة شرعًا، فإن تداول الأموال بين الناس إما أن يكون بغير مقابل فهو الهبة أو الصدقة أو الوصية به بعد الموت لمن وهب له ، وإما أن يكون بمقابل من المنفعة المشروعة كالإجارة والسلعة المشتراة وغيرها، فإن الشيء المشترى إن كان حاضرًا فهو البيع وإن كان مؤجلاً فهو السلم ، الذي هو بيع آجل تيسيراً لمصالح الناس.
أما البيع فقد اشترط فيه أن يكون في حلالٍ مملوكٍ للبائع، مقدورٍ على تسليمه في وقت البيع، وأن يكون معلوم الصفة والنوع والقدر، وكل الصفات والأحوال والكيفية المتعارف عليها لدى الطرفين، فلا يتم البيع في مجهول القدر والصفة ، أو محرم كالخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ،أو مسروق أو مغتصب بعلم المشترى أو في شيء غير متقوم عادة.
وهنا لم يكن المقابل لما تم دفعه من المال لهذه الاستمارة معلوما عند الدفع ، لا نوعه ولا قدره ولا صفقته ولا حكمه ولا وقت أدائه ، بل هو مجهول في عالم الأوهام والصدف غير المحسوبة أو المضمونة .
وعليه فلا يعدو أن يكون هذا النوع من التعامل ضرباً من الميسر الذي حرمه الله تعالى بنص قرآنه الحكيم: “يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون” 90-91 من سورة المائدة.
فإن لم يتم التعامل المادي بين الناس على رضا النفس والقناعة والمعرفة ملئت القلوب بالعداوة والبغضاء ، ولا يرضى الإسلام أن يستبيح أحد من الناس مال أحد إلا عن طيب نفس منه، سواء كان صاحب المال مسلماً أو غير مسلم، يقول ﷺ : ” لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس منه .
وإلا فقل لي بربك بأي وجه استحق هذا الذي دفع ما لا يزيد عن خمسين جنيهًا ثمنًا للاستمارة والحوالتين فئة عشرين جنيهًا، ما هو ستة آلاف جنيه إلا أن تكون ثمنًا لما أوقع الناس فيه بتوزيع الاستمارات الخمس في مصيدة الشركة النصابة المحتالة ، بالأوهام الكاذبة على أموال الناس.
وما على المسلمين إلا أن يأخذوا حذرهم من تلك المعاملات الوافدة المحرمة التي تخالف المنهج الإسلامي النظيف في المعاملات الاقتصادية الإسلامية التي يهدف من خلالها إلى أن يكسب الناس الطيب من الرزق في المطعم والمشرب والملبس والمسكن ففي الحديث ” إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا ” و ” إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا…” وقال: “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون” .
فما المسلم إلا طيب يأكل طيبًا ويشرب طيباً ويطعم أهله طيباً، ويتصدق بالطيب الحلال لله الطيب الذي لا يقبل إلا طيبا، لا سرقة ولا اغتصابًا ولا مقامرة بغير كد ولا تعب.
وحين يكون الناس منهم من يدفع الكثير مرات ومرات ينتظر الصدفة البلهاء ولا يأخذ مما دفع ولا في مقابله شيئا ، ومنهم من لا يدفع شيئا ويأخذ كل شيء فلا يكون العدل ولا الإنصاف ولا التحرك بالمال في وجهه الصحيح صوب الإنتاج والكسب الحلال.
فالتعامل في استمارات شركات الخدمات العامة “قمار” لا يجوز للمسلم أن ينجر وراءه ، لأنه مخاطرة بالمال ، وأكل لأموال الناس بالباطل.