وبعد التأمل ومراجعة النصوص وجد أن مذهب الإمام أبي حنيفة وصاحبه الإمام محمد بن الحسن في المسلم إذا دخل دار الحرب (أي غير إسلامية) مستأمَنًا بأمان منهم يقتضي جواز هذا الاقتراض بفائدة رِبوية للمسلم المقيم هناك لأجل شراء بيت لسُكناه إذا كان الواقع هناك كما هو مبيَّن في الصورة.

فإن مذهب أبي حنيفة وصاحبه الإمام محمد أن من دخل الحرْب مستأمَنًا أي بإذن منْهم يَحِل لهم من أموالهم ما يبذلونه له برضاهم دون خيانة منه، ولو كان بسبب محرَّم في الإسلام كالربا أن يأخذه منهم ولكن لا يُعطيهم الرِّبا؛ لأن أموال الحربيين عنده في دارهم غير معصومة لكنه دخل مستأمَنًا، فلا يجوز له أخذ شيء منها دون رضاهم.

لكنَّ منْعه من إعطائهم الربا إنما هو لتوفير مال المسلمين عنهم. فإذا انعكست الآية في بعض الأحوال وصار أخْذ القرْض منهم وإعطاؤهم الربا أوفر لمال المسلم كما في الصورة المسئول عنها ـ لمَّا دخل في الموضوع شراء البيت ثم امتلاكه في نهاية الوفاء ـ يجب أن ينعكس الحكم؛ لأنَّ الحكْم يدور مع عِلَّتِه ثبوتًا وانتفاءً، حيث أصبح القرْض مع فائدته أوفر لمال المسلم من الاستئْجار الذي يَخرج به المُسْتأجر في النهاية صِفْر اليدين لم يُملَّك شيئًا وبَقِيَ البيت لصاحبه المؤجِّر.

لذلك فالعبرة للنتيجة في الحالتين أيهما أوفر لمال المسلم في دار الحرب، ولا شك أن طريقة الاقتراض من البنك الربوي بفائدة هي الأوفر لماله بمقتضى مذهب أبي حنيفة وعِلَّته، فيكون ذلك جائزًا ولا سيما في حق العاجز عن شراء البيت من ماله.
هذا بقطع النظر عن الضرائب التي توفِّرها حالةُ القرْض من البنك؛ لأن الشراء من ماله أو الاستئجار يترتب فيهما ضرائب عالية على المشتري والمستأجر هناك.
وليس المراد بدار الحرب في اصطلاح الحنفية أن يكونوا في حالة حرْب قائمة بينهم وبين المسلمين، بل المراد بدار الحرب أنها غير إسلامية بل مستقلَّة غير داخلة تحت سلطة الإسلام.