حرم الإسلام اتخاذ أواني الذهب والفضة ومفارش الحرير الخالص في البيت المسلم، وتهدد النبي عليه السلام من ينحرف عن هذا الطريق بالوعيد الشديد. روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها: “إن الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم”.
وروى البخاري عن حذيفة قال: “نهانا رسول الله ﷺ أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه، وقال: هو لهم (أي للكفار) في الدنيا ولنا في الآخرة”. وما حرم استعماله حرم اتخاذه تحفة وزينة.
وهذا التحريم للأواني والمفارش ونحوها تحريم على الرجال والنساء جميعا، فإن حكمة التشريع هنا هو تطهير البيت نفسه من مواد الترف الممقوت.
وما أروع ما قاله ابن قدامة: “يستوي في ذلك الرجال والنساء لعموم الحديث، ولأن على تحريمها السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وهذا معنى يشمل الفريقين. وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى التزين للأزواج، فتختص الإباحة به دون غيره. فإن قيل: لو كانت العلة ما ذكرتم لحرمت آنية الياقوت ونحوه مما هو أرفع من الأثمان (الذهب والفضة). وقلنا: تلك لا يعرفها الفقراء، فلا تنكسر قلوبهم باتخاذ الأغنياء لها بعد معرفتهم بها، ولأن قلتها في نفسها تمنع اتخاذها فيستغنى بذلك عن تحريمها بخلاف الأثمان”.
على أن الاعتبار الاقتصادي الذي أشرنا إليه في حكمة تحريم الذهب على الرجال أشد وضوحا هنا، وأكثر بروزا. فإن الذهب والفضة هما الرصيد العالمي للنقود التي جعلها الله معيارا لقيمة الأموال، وحاكما يتوسط بينها بالعدل، وييسر تبادلها للناس. وقد هدى الله الناس إلى استعمالها نعمة منه عليهم، ليتداولوها بينهم لا ليحبسوها في بيوتهم في صورة نقود مكنوزة، أو يعطلوها في شكل أواني وأدوات للزينة.
وما أجمل ما قال الإمام الغزالي في هذا المعنى في كتاب الشكر من الإحياء: “كل من اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة، فقد كفر النعمة، وكان أسوأ حالا ممن كنز؛ لأن مثال هذا من استسخر حاكم البلد في الحياكة والكنس، والأعمال التي يقوم بها أخساء الناس، والحبس أهون منه، وذلك أن الخزف والحديد والرصاص والنحاس، تنوب مناب الذهب والفضة في حفظ المائعات أن تتبدد، وإنما الأواني لحفظ المائعات، ولا يكفي الخزف والحديد في المقصود الذي أريد به النقود. فمن لم ينكشف له هذا (يعني بالتفكير والمعرفة) انكشف له بالترجمة الإلهية، وقيل له: (من شرب في آنية من ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم)”.
ولا يظن ظان أن في هذا التحريم تضييقا على المسلم في بيته، فإن في الحلال الطيب مندوحة واسعة، وما أجمل أواني القيشاني والزجاج والخزف والنحاس وسائر المعادن الكثيرة! وما أجمل المفارش والوسائد من القطن والكتان وغيرهما من المواد!