الاتكاء أثناء الجلوس فيكره إذا كان أثناء الأكل لأنه يندب الجلوس للأكل ويكره الاتكاء ، لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : يندب الجلوس للأكل ويكره الاتكاء ، لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : ( لا آكل متكئاً) “رواه البخاري وغيره” وفي رواية:( أما أنا فلا آكل متكئا) .

قال الإمام المناوي في : فيض القدير، شرح الجامع الصغير: الاتكاء المكروه عند الأكل إنما هو الميل إلى أحد الشقين والاعتماد عليه لا الاتكاء على وطاء تحته مع الاستواء ، وحكمة كراهة الأكل متكئاً أنه فعل المتكبرين المكثرين من الأكل بنهمة وشره المشغوفين من الاستكثار من الطعام فالسنة في الأكل كما قال القسطلاني: أن يقعد مائلاً إلى الطعام منحنياً عليه وقال الحافظ ابن حجر: يجلس على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى اهـ والكراهة مع الاضطجاع أشد منها مع الاتكاء نعم لا بأس بأكل ما يتنفل به مضطجعاً لما ورد عن علي كرم اللّه وجهه أنه أكل كعكاً على برش وهو مضطجع على بطنه قال حجة الإسلام: والعرب قد تفعله وقاعداً أفضل ولا يكره قائماً بلا حاجة، واعلم أن الاتكاء أربعة أنواع: الأول أن يضع يده على الأرض مثلاً، الثاني أن يتربع، الثالث أن يضع يده على الأرض ويعتمدها، الرابع أن يسند ظهره، وكلها مذمومة حال الأكل لكن الثاني لا ينتهي إلى الكراهة وكذا الرابع فيما يظهر بل هما خلاف الأولى (انتهى).

وقد يكون مستحبا ، وذلك أثناء الخطبة ونحوها ، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكأ في خطبة الجمعة على عصا أو غيرها ، وفي الحرب على قوس ، ففي سنن أبي داود: كان صلى الله عليه وسلم إذا قامَ يخطب أخذ عصا فتوكَّأ عليها وهو على المنبر، وفي سنن ابن ماجه وسنن البيهقي ومستدرك الحاكم أنّه كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا.

وما عدا ذلك فهو مباح ، لم يرد نهي صريح عنه ، وإن قال بعض العلماء بكراهته ، بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكأ ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقول الزور). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .

وأما تشبيك الأصابع في المسجد فيكره إن كان عمدا أثناء الصلاة أو انتظارها ، ويباح في غير ذلك في المسجد وغيره.

يقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى -:
رَوى البخاري عن أبي موسى الأشعري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن المؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه بعضًا”، وشبَّك بين أصابعه. ورَوى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: صلَّي بِنَا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إحدى صلاتي العشاء، فصلَّى بِنَا ركْعتين ثم سلَّم فقام إلى خَشَبَة معروضة في المسجد فاتَّكأ عليها كأنَّه غضبان، ووضع يده اليمني على اليسرى وشبك بين أصابعه.

قال ابن حجر: حديث أبي موسى دالٌّ على جَوَاز التَّشبيك مُطْلقًَا، وحَديث أبي هريرة دالٌّ على جَوَازِه في المَسجد، فهو في غيره أَجْوَز، ووقَع في بعض نُسَخِ البُخاري قبْل هَذَيْن الحَدِيثين حديث آخر عن ابن عمر قال: شبَّك النبيُّ ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ أصابعه. قال أحد المحدثين: هذا الحَدِيث ليس موجودًا في أكثر نسخ البخاري، وقال ابن حجر: هو ثابت في رِواية حمَّاد بن شاكر عن البخاري، قال ابن بَطَّال: المَقْصُود مِن هذه التَّرْجمة مُعارَضة ما ورد في النهى عن التشبيك في المسجد، وقد ورَدَت فيه مَراسيل ومُسند من طرق غير ثابتة. وقال ابن المنير: التَّحْقِيق أنَّه ليْس بين الأحاديث تَعَارُضٌ، إذِ النَّهْى عنه فعله على وجه العبث. وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيَّد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدًا إليها، إذْ مُنْتظِر الصلاة في حُكم الصلاة.

وقيل: إنَّ حكمة النهى لمنتظر الصلاة أن التشبيك يجلب النوم، وهو من مَظانِّ الحدَث، وقيل: إن صورته تشبه صورة الاختلاف، فكَرِه ذلك لمَن هو في حكم الصلاة حتى لا يَقَع في النهى عنه، وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمُصلِّين “ولا تَخْتلِفوا فتَخْتَلِفَ قُلُوبُكم”. وَفِي البُخاري والبَيْهقي في شُعَب الإيمان عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: رأيت رسول الله بِفَنَاءِ الكَعْبة مُحْتبيًا بيده هكذا ـ زَادَ البَيْهقي: وشبَّك بَيْن أصَابِعه، وقد شبَّك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيْن يَدَيْهِ في عِدَّة أحاديث ليْس هذا مَحَلَّ إيرادِها، وثبت في الصَّحِيحَيْن في قِصَّة ذِي اليَدَيْنِ أنَّه ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ شبَّك بين أَصَابعه، وجَزَم في “الإِقْناع” بأنَّهُ يُكره له أن يُشبِّك بَيْن أصابعه من حين يخرج ـ يعنى للصلاة ـ قال: وهو في المسجد أشدُّ كراهة، وفي الصلاة أشد وأشد. انتهى.

ونقل في الفروع كراهة تشبيك الأصابع في الصلاة وأنها باتِّفاق الأئمة الأربعة. استدلُّوا بما رواه الترمذي وابْن ماجة عن كعب بن عجرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأي رجلًا قد شبَّك أصابعه فِي الصَّلاة ففرَّج رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أصابعه.

قال السُّيوطيُّ فِي كِتَابِه” حسن التسليك في حُكْم التشبيك”: رخَّص فِي التَّشْبِيك ابن عمر وسالم ابنه، فكانا يُشبِّكان بين أصابعهما في الصلاة، وقال البعض: والتحقيق أنه ليس بين حديث النهى عن التشبيك وبين تشبيكه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أصابعه مُعارَضة؛ لأنَّ النهى إنما ورد عن فعله في الصلاة أو في المُضِي إليها ، وفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للتشبيك ليس صلاة ولا في المضي إليها، فلا معارضة إذن، وبَقِيَ كلُّ حديث على حِيَاله. انتهى.

وقسَّم بعض المتأخرين التشبيك إلى أقسام:
أحدهما: إذا كان الإنسان في الصلاة، ولا شك في كراهته.

ثانيها: إذا كان في المسجد منتظرًا للصلاة، أو وهو عامد إلى المسجد يُريدها بعدما تطهَّر، والظاهر كراهته كما رواه أحمد عن مولىً لأبِي سعيد الخدري: بينما أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذْ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالس وسط المسجد مُحْتبيا مُشبِّكا أصابعه، بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يَفْطن الرجل لإشارته، فالتفت إلى أبي سعيد فقال: “إذا كان أحدكم في المسجد فلا يُشَبِّكنَّ، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاته ما كان في المسجد حتى يخرج منه” ولحديث كعب بن عجرة “إذا توضأ أحدكم فأحسن وُضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يُشبِّكن بيده فإنه في صلاة” رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، ورواه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة وقال: صحيح على شرطهما، ورواه الترمذي وكذا ابن حبان.

ثالثًا: أن يكون في المسجد، بعد فراغه من الصلاة، وليس يريد صلاةً أخرى ولا يَنتظرها فلا يُكره، لحديث ذي اليدين.

رابعًا: في غير المسجد فهو أولى بالإباحة وعدم الكراهة. انتهى.
وبعد، فإن الموضوع لا يعدو مَرْتبة الكراهة، فهو ليس بمُحرَّم، ومَن شبك لا يُعاقَب على ذلك، ولا يجوز الإنكار بشدة على مَن فعله .