من بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أن نلتزمَ بإعلاء ذِكْره ، ونشر دعوته ، وتوقيره وإجلاله ، وحمايته من كل إيذاء ، والرد على مَن نَال منه ، أو الطعن في سيرته ، وهذا ما أوجبه الله علينا من تعزيره ونصره بكل طريق ، وقد حَرَّم الله تعالى إيذاءه ، كما أجمعت الأمة على قتل مَن سَبَّه ، أو نال منه .

ويقول أ.د عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :

لقد كان من كَرَم الله تعالى أن أنعم علينا بخاتَم أنبيائه ورسُله سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هدانا الله تعالى به إلى الدين القويم، وأخرجنا به من الظلُمات إلى النور، وأتانا ببركة رسالتِه ويُمْن دعوته سعادةَ الدارَيْن، فأداءً لبعض حقه علينا أن نلتزمَ بإعلاء ذِكْره، ونشر دعوته في العالمين، وتوقيره وإجلاله وإيثاره بالنفس والمال في كل موطن، وحماية جَنابه الشريف صلى الله عليه وسلم من كل إيذاء، والرد على كل مَن تُسَوِّل له نفسه النَيْل منه، أو الطعن في سيرته العَطِرة، وهذا هو أدنى ما له من حق علينا، بل هو ما أوجبه الله تعالى من تعزيره ونصره بكل طريق، وإن كان الحق سبحانه قد أغنى رسولَه صلى الله عليه وسلم عن نصر الخَلْق، ولكنه الابتلاء ليكون الجزاء على الأعمال.

وقد أجمعت الأمة على توقير وإكرام وتعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبِرِّه، وحَرَّم الله تعالى إيذاءه، كما أجمعت الأمة على قتل مَن سَبَّه من المسلمين ، أو نال منه ، وذلك لقول الله تعالى: (إنَّ الذين يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللهُ في الدنيا والآخرةِ وأَعَدَّ لهم عذابًا مُهينًا) وقوله سبحانه: (والذينَ يُؤْذونَ رسولَ اللهِ لهم عذابٌ أليمٌ) ورَوَى علي ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “مَن سَبَّ نبيًّا فاقتلوه، ومَن سَبَّ أصحابي فاضربوه” وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل كعب بن الأشرف غِيلةً ؛ لإيذائه رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: “مَن لكعب بن الأشرف؛ فإنه يُؤذي اللهَ ورسولَه؟” كما أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل أبي رافع، وكان يُؤذي رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويُعين عليه ، كما أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتل جماعة ممَّن كانوا يُؤذونه من الكفار ويسبُّونه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهم ، ورُوِيَ عن ابن عباس: “أن رجلاً كانت له أم ولد على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تُكْثِر الوَقِيعة في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتشتُمه، فقتلها، فذُكِرَ ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أشهد أنَّ دمَّها هَدَر”، ورُوِيَ عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دَمَها”.

وقال القاضي عِياض: مَن سَبَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسَبِه أو دينه أو خَصْلة من خصاله، أو عَرَّض به، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له، أو الازدراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، فهو ساب له، والحكم فيه حكم السابِّ، يقتل، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو دعا عليه أو تَمنَّى مَضَرَّة له، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام، وهَجْر، ومُنْكَر من القول وزور، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وقد انعقد على هذا إجماع العلماء وأئمة الفتوى من لَدُنْ صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى يومنا، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها.

وقال الإمام أحمد: كلُّ مَن شتم النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو تَنَقَّصَه مسلمًا كان أو كافرًا فعليه القتل ولا يُستتاب.

وقال عبد الله بن الحكم: مَن سَبَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مسلم أو كافر قُتِلَ ولم يُستتاب، وحُكِي مثل هذا القول عن الإمام مالك.

وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن مَن سَبَّ النبيَّ ـ صلى الله علي وسلم ـ يُقتل.